منذ ما يزيد عن العقدين من الزمن، تحولت التجربة المغربية في مجال التصدي للخطر الإرهابي إلى نموذج يحتذى به عبر العالم، تتقاطر عليه أقوى أجهزة الأمن عبر العالم لطلب خبرته وتعاونه.
استراتيجية المملكة في هذا المجال تقوم على محاور متعددة، على رأسها قوة أجهزته الاستخباراتية التي ساهمت في التصدي لعدد من المخططات ليس فقط داخل المملكة، بل على صعيد دول صديقة وشقيقة بفضل تعاون أمني منقطع النظير.
الحلقة الثالثة عشرة:
قبل تفكيك خلية “أسود الخلافة في المغرب الأقصى نهاية شهر فبراير المنصرم، تمكنت المصالح الأمنية المغربية من تفكيك خلايا عديدة مماثلة لها ارتباط بتنظيم “داعش” بالصحراء والساحل. كان ذلك منذ عام 2014، وهي السنة التي أصبحت معظم الخلايا المفككة مرتبطة بتنظيم داعش.
واظهر تفكيك العديد من هذه الخلايا في مختلف المدن المغربية، مثل الدار البيضاء وسلا وطنجة مدى تعقيد التهديدات الإرهابية التي يواجهها المغرب نتيجة لنشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء خاصة مع تنامي الإستقطاب في مختلف الفئات الإجتماعية والسوسيومهنية، و تسجيل حالات العود العديدة للإنخراط في النشاط الإجرامي، وهو ما تكرر سواء في حالة بعض المتهمين في جماعة أنصار المهدي أو في خلية الرايضي وخلية أبو طلحة.
ومن بين أبرز تلك الخلايا تلك التي تطلق على نفسها تسمية “أنصار الشريعة بالمغرب الإسلامي”، والذي أعلنت وزارة الداخلية عن تفكيكها في بلاغ صادر يوم الاثنين 5 نونبر 2012 ،وكانت تخطط لتنفيذ عمليات تخريبية ضد أهداف ومواقع حيوية بعدد من المدن المغربية، والتي ربطت اتصالات بالتنظيم الإرهابي المسمى “أنصار الشريعة في المغرب الإسلامي”بالساحل والتنظيم المسمى “أنصار الدين” في مالي.
وسيتوالى تفكيك خلايا مماثلة منها تلك التي تم تفكيكها شهر 24 نونبر سنة 2012 وتنشط في مجال استقطاب وتجنيد شباب مغاربة متشبعين بفكر “القاعدة” قصد إرسالهم لما يسمى بالجهاد بمنطقة الساحل، وتتكون من عناصر عديدة تنشط بكل من مدن الناظور والدار البيضاء وجرسيف والعيون وقلعة السراغنة, وسيتوالى تفكيك العشرات من الخلايا المرتبطة بتنظيم داعش سواء بالعراق وسوريا وبعدها فرعها في الساحل والصحراء.
وقد أشارت بعض التقارير الى التحاق ما بين 200 و700 مقاتل مغربي بجبهات القتال في سوريا، وهناك شكلوا فصيلا خاصا بهم سمي “حركة شام الاسلام” بقيادة ابراهيم بنشقرون، وهو معتقل سابق في غوانتانامو من 2002 إلى 2004 وبعدها في المغرب من 2005 إلى 2011.كما أفادت بعض الاحصائيات غير الرسمية إلى أن حوالي 30 بالمائة من الملتحقين بالعمل المسلح في سوريا هم من ضمن الأشخاص الذين قضوا أحكاماً بالسجن في إطار قانون الإرهاب، أي أنهم تحولوا من جهاديين “فكرياً” إلى جهاديين “عملياً”. ونبه الخبراء حينها الى أن الناجين سيعودون بعد انتهاء الحرب الأهلية في سوريا بخبرات قتالية ميدانية, وسيشكلون تهديدا لبلدانهم.
وبالعودة الى تفاصيل خلية ” انصار الشريعة” النسخة المغربية, فان تحريات الأجهزة الأمنية مع أعضاء التنظيم الإرهابي الثمانية, كشفت أن المتهمين وصلوا إلى مرحلة متقدمة في تنفيذ مخططاتهم، ومنها الهجوم على ثكنة عسكرية وفرقة للدرك الملكي ببوذنيب، وقاعدة عسكرية بطانطان، إضافة إلى التخطيط لاختطاف يهود مغاربة يشاركون في موسم بوزان.
وكشفت وزارة الداخلية, حينها أن تحريات الفرقة الوطنية للشرطة القضائية مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطن “DST, كشفت أن تنظيم “أنصار الشريعة بالمغرب الإسلامي”٬ كان يخطط لتنفيذ عمليات تخريبية ضد أهداف ومواقع حيوية ومنشآت حساسة ومقرات الأجهزة الأمنية وكذا المنتجعات السياحية بعدد من مدن المغرب.
وأضافت أن من بين أفراد التنظيم, معتقل سابق في إطار قانون مكافحة الإرهاب٬ ويتزعمهم أحد الناشطين البارزين في المواقع الالكترونية ذات الصلة بتنظيم القاعدة واستطاع أن يحصل على خبرة عالية في مجال تصنيع المتفجرات”. كما أنّهم “كانوا بصدد ربط قنوات اتصال بالجماعات الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة، التي تنشط بمنطقة الساحل شمال مالي٬ من أجل الحصول على الدعم المادي والعسكري اللازمين لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية”.
وأكدت التحريات الأولية أيضا أن من بين أفراد الخلية عنصرين عسكريين، كانا يتنقلان بين مدن الرباط ومكناس والقصر الكبير ومدينة خنيفرة وأيت ملول والراشدية وبركان. وانحصرت مهمة العسكريين في تحديد الأماكن المستهدفة من قبل التنظيم . كما أن “من بين أفراد الخلية أيضا، سلفي خرج للتو من السجن، بعد قضاء عقوبة سجنية في إطار ملف السلفية الجهادية”.
وتبين , حسب التحريات الأمنية أيضا, أن أفراد الخلية حددوا مجموعة من الأهداف، من بينها تفجير البرلمان والعديد من المؤسسات العمومية والخاصة ومصالح الأمن، فضلا عن مجموعة من الفنادق بالمواقع السياحية بالراشيدية وورزازات على وجه الخصوص. كما أن عناصر التنظيم كانوا يخططون أيضا لاختطاف الأجانب والمطالبة بالفدية لتمويل نشاطهم الإرهابي.
واعتمد أفراد الخلية على شبكة الانترنيت لصناعة المتفجرات التي سيتم استعمالها في عمليات التخريب المخطط لها، وذلك بعد جمع معطيات دقيقة حول طريقة صنع المتفجرات الخاصة بتفخيخ السيارات، وكذا المتفجرات ذات الانفجار القوي المدمر. كما كانوا يخططون للهجوم على بعض الثكنات العسكرية، والتي تم تحديد مواقعها من قبل العسكريين العاملين داخل التنظيم المذكور، وذلك للسطو وسرقة الأسلحة والذخيرة الحية.
توبع أفراد الخلية الثمانية بتهم بـ” تكوين عصابة إجرامية لإعداد وارتكاب أفعال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف للمس الخطير بالنظام العام، والانتماء إلى جماعة دينية محظورة”, وأدانتهم المحكمة المكلفة بالبت في قضايا الإرهاب بمدينة سلا بالسجن النافذ بمدد تترواح بين سنة واحدة وست سنوات .
وستشهد السنوات الموالية تفكيك العديد من الخلايا المرتبطة بتنظيم القاعدة وداعش سواء خلايا الاستقطاب أو خلايا تعد لتنفيذ مشاريع ارهابية فوق التراب الوطني, ومن بين تلك الخلايا تلك التي تم تفكيكها يوم . 25 دجنبر2012 والمتكونة من 6 عناصر ينحدرون من مدينة فاس، وتنشط في مجال استقطاب وتجنيد شباب مغاربة متشبعين بالفكر “الجهادي” من أجل الالتحاق بمعاقل “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” بالجزائر, وأخرى يوم . 19 يناير 2013 وتنشط في مجال استقطاب وتجنيد شباب مغاربة قصد إرسالهم “للجهاد” ضمن التنظيمات الإرهابية الموالية لتنظيم القاعدة، وتتألف من عدة عناصر تنشط بكل من مدن الفنيدق وطنجة والحسيمة ومكناس, واثنتين أخريين يوم. 5 ماي 2013 تنشطان بكل من ازغنغان، بني بوغافر، سلوان، فرخانة و بني شيكر بإقليم الناظور، تحت إسم “التوحيد” و”الموحدون”..
كما تم تفكيك خلية أخرى يوم 16 غشت 2013 لها علاقة بتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، تتكون من أربعة أفراد ينشطون بمدن تيزنيت وفاس وتاونات ومكناس, وخلية أخرى تم تفكيكها يوم . 25 دجنبر 2013 تنشط بمجموعة من المدن المغربية، مكونة من عدة أفراد سبق لهم أن تلقوا تداريب على استخدام مختلف أنواع الأسلحة والمتفجرات ضمن تنظيمات إرهابية. 25 , كما تم تفكيك خلية يوم 25 يناير 2014 تنشط بكل من مدن الناظور وتطوان والحسيمة وتازة وفاس ومراكش, وأخرى يوم 24 مارس 2014 ينشط أعضاؤها بمدن العروي ومليلية وملقا، يتزعمها مواطن إسباني ذو توجه متطرف, وايضا خلية أخرى يوم . 22 مارس 2014 ضمت مواطنا من جنسية فرنسية للاشتباه في انتمائه إلى خلية إرهابية ينشط أعضاؤها في مجال تجنيد متطوعين للقتال بالعديد من بؤر التوتر في العالم.
وكشفت العديد من الدراسات والتقارير الرسمية وغير الرسمية أن المغرب منذ 2003م بعد أحداث الدار البيضاء أصبح مهدداً في سلامته وسلامة مواطنيه، وأحد المؤشرات على ذلك تنامي وتيرة تفكيك الخلايا الإرهابية المرتبطة أو غير المرتبطة بالخارج، والتي كانت تنوي القيام بأعمال إرهابية بالمغرب؛ بحيث تم ما بين 2003 و2016 تفكيك أزيد من 150 خلية إرهابية 32 منها كانت ما بين 2013 و2016م، وقد تمت إحالة حوالي 214 ملفاً منذ بداية العام 2015 حتى 23 شتنبر من السنة ذاتها تتعلق بقضايا الإرهاب، تمت فيها متابعة 230 متهماً. وتشير تلك الأرقام إلى حركية على المستوى الأمني والاستخباراتي في مواجهة خطر الإرهاب، ومن جهة ثانية هي مؤشر على استهداف المغرب المتزايد من قبل التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “داعش”.
ويعطي تفكيك هذا الحجم الكبير من الخلايا صورة واضحة عن حجم الجاهزية واليقظة الأمنية والاحترافية والكفاءة العالية التي تستند إليها التجربة المغربية، ما مكنها من تفعيل المقاربة الاستباقية للتصدي للتحديات الأمنية الإقليمية، حتى أصبح الطلب الخارجي عليها مطلوباً من قبل عدد من الدول (فرنسا، بلجيكا، إسبانيا) من أجل تعزيز التنسيق الأمني لمواجهة خطر التطرف والإرهاب الذي يهدد المحيطين الإقليمي والدولي.