شكّل إقرار السنة الأمازيغية في المغرب خطوة تاريخية نحو الاعتراف بالتنوع الثقافي الغني لهذا البلد. هذا الإقرار، الذي جاء تتويجاً لمطالب اجتماعية وحراك ثقافي مستمر، يمثل اعترافاً رسمياً بالهوية الأمازيغية كجزء أصيل من الهوية المغربية.
وتعتبر الأمازيغية أقدم لغة حية في شمال إفريقيا، ولها تاريخ عريق في المغرب. لقد شكلت الأمازيغية العمود الفقري للحضارات المتعاقبة على أرض المغرب، وتركت بصماتها الواضحة في اللغة والفنون والعادات والتقاليد المغربية.
لطالما طالب الأمازيغ بالاعتراف بحقوقهم الثقافية واللغوية. وقد شهدت العقود الأخيرة تصاعداً في هذه المطالب، حيث نظمت العديد من الاحتجاجات والمظاهرات السلمية للمطالبة بإقرار الأمازيغية كلغة رسمية وتعليمها في المدارس.
يمثل إقرار السنة الأمازيغية اعترافاً رسمياً بالهوية الأمازيغية كجزء لا يتجزأ من الهوية المغربية. كما أنه يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية، حيث يظهر أن المغرب بلد متعدد الثقافات والحضارات، وأن هذه التعددية هي مصدر قوة وثراء.
خطاب أجدير.. نقطة تحول في القضية الأمازيغية
شكّل خطاب أجدير الذي ألقاه الملك محمد السادس عام 2001 نقطة تحول حقيقية في مسار القضية الأمازيغية بالمغرب. هذا الخطاب التاريخي الذي ألقى فيه الملك الضوء على أهمية الهوية الأمازيغية كجزء أصيل من الهوية المغربية، فتح آفاقًا جديدة لحقوق الأمازيغ ووضع لبنة أساسية للاعتراف الرسمي بهويتهم وثقافتهم.
قبل خطاب أجدير، عانت القضية الأمازيغية من التهميش والإقصاء، حيث كانت الهوية الأمازيغية تواجه صعوبات في الاندماج ضمن النسق الوطني. وقد أدى ذلك إلى بروز احتجاجات وأصوات غاضبة للمطالبة بالاعتراف بالحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ.
في خطاب أجدير، أكد الملك محمد السادس على أهمية الهوية الأمازيغية كجزء أصيل من الهوية المغربية، ودعا إلى الاعتراف بها واحترامها. كما أعلن عن إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والذي يهدف إلى الحفاظ على التراث الأمازيغي وتطويره.
ترك خطاب أجدير آثارًا بالغة الأهمية على القضية الأمازيغية بالمغرب، من أبرزها، أن الخطاب الملكي فتح الباب أمام الاعتراف الرسمي بالهوية الأمازيغية كجزء أساسي من الهوية المغربية. كما كان لبنة لإنشاء مؤسسات تهتم بالثقافة الأمازيغية، مثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (إيركام).
بعد الخطاب أيضا، تم إدراج تدريس اللغة الأمازيغية في المناهج الدراسية، مما ساهم في نشر الثقافة الأمازيغية بين الأجيال الشابة.
إجمالا ساهم الخطاب الملكي في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال الاعتراف بالتنوع الثقافي للمغرب.
”أسكاس أمباركي” عيدا وطنيا بقرار من الملك محمد السادس
واصل الملك محمد السادس إعطاء أهمية قصوى للأمازيغية ثقافة وقضية، ولعل أبرز تمظهرات ذلك، حين قرر شخصيا، خلال سنة 2023، جعل رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها، على غرار باقي العطل الأخرى.
وتعكس هذه الخطوة التاريخية التقدير الكبير الذي يوليه الملك محمد السادس للتراث والثقافة الأمازيغية، حيث أصدر جلالته أمراً سامياً يقضي بإقرار رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر، وذلك على غرار الأعياد الوطنية الأخرى كرأس السنة الميلادية وفاتح محرم.
وجاء هذا الإعلان في بلاغ للديوان الملكي المغربي، حيث أكد أن هذا القرار يأتي تجسيداً للعناية الملكية بالأمازيغية باعتبارها ركيزة أساسية للهوية المغربية المتنوعة والغنية. كما أنه يأتي انسجاماً مع الدستور المغربي الذي يقر الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية.
وبموجب هذا القرار، صارت رأس السنة الأمازيغية، عطلة رسمية ، مما يمنحها المكانة التي تستحقها كجزء أصيل من الهوية الوطنية.
هذا القرار الملكي السامي من شأنه أن عزز مكانة اللغة والثقافة الأمازيغية في المغرب، ويؤكد على التنوع الثقافي الغني الذي يميز المجتمع المغربي. كما أنه يعكس التزام المغرب ببناء مجتمع عادل ومتسامح يحترم جميع مكوناته.
القرار الملكي باعتماد الاحتفال برأس السنة الأمازيغية كعطلة وطنية رسمية مدفوعة الأجر انعكاس واضح لخطوة تصالحية نحو إعادة تقييم التاريخ السياسي والاجتماعي للدولة المغربية. هذا القرار لم يمر مرور الكرام، بل أثار صدى واسعاً في وسائل الإعلام المحلية والدولية، وحظي بإشادة مختلف الهيئات السياسية والمدنية، لا سيما الفعاليات الأمازيغية التي اعتبرت الخطوة استجابة لمطالب تاريخية طال انتظارها.
الملك يُصالح الدولة مع تاريخها الأصيل
ربطت الكتابات الرسمية تاريخ المغرب السياسي ببدايات الدولة الإدريسية، مما أدى إلى تهميش الفترات التاريخية السابقة التي تحمل في طياتها إرثاً أمازيغياً عريقاً. فقد ركزت الروايات التاريخية العربية والإسلامية على فترة الفتوحات الإسلامية كنقطة بداية لتاريخ المغرب، مع تجاهل شبه تام للحضارات والدول الأمازيغية التي سبقتها.
هذه الرؤية التاريخية، وفق مراقبين، ضيقت من أفق فهم العمق الحضاري الممتد للمغرب، الذي شهد وجود ممالك أمازيغية مثل موريتانيا الطنجية منذ القرن الثالث قبل الميلاد. القرار الملكي بترسيم رأس السنة الأمازيغية يمثل خطوة في اتجاه “تصحيح التاريخ” لإعادة الاعتبار للحقب التاريخية التي أسهمت في بناء هوية الدولة المغربية، بما يشمل الملوك الأمازيغ مثل بوكوس وجوبا الثاني.
ويعزز الاعتراف بالأمازيغية الهوية الوطنية بشموليتها، ويضع الجذور إيمازيغن ضمن إطار الشرعية التاريخية للدولة.
كان الاحتفال برؤوس السنوات دوماً موزعاً بين الميلادي والهجري، مركّزاً على ممارسات مجتمعية متفاوتة التأثير. ففي حين تحظى رأس السنة الميلادية باهتمام شعبي واسع، خصوصاً في الأوساط الحضرية ذات التأثر الغربي، تبقى رأس السنة الهجرية حدثاً محدود الانتشار بين الفئات المتدينة وبعض الشرائح الريفية. أما الاحتفال بالسنة الأمازيغية فقد تم تهميشه لعقود رغم عمقه التاريخي والثقافي.
ترسيم ذكرى رأس السنة الأمازيغية ينقل هذه المناسبة من الهامش إلى دائرة الاعتراف الرسمي، ويأتي كتصحيح لمسار التأريخ الوطني الذي لطالما أغفل أقدم التقاويم المرتبطة بالمغرب. التقويم الأمازيغي، الذي يسبق الميلادي بـ950 سنة، يتسم بالارتباط بالأرض والثقافة بعيداً عن الخلفيات الدينية، مما يجعله رمزاً لتنوع أصيل يعكس التعدد الثقافي للمغرب.
القرار ليس مجرد خطوة تنظيمية، بل هو انعكاس لرؤية جديدة تسعى إلى تصالح الدولة مع ماضيها وثقافتها الاجتماعية، وتنمية وعي وطني يعزز من الثقة في هوية مغربية متعددة الروافد ومتحدة الأركان.