24 ساعة ـ عبد الرحيم زياد
يعرف المشهد الأمني في منطقة الساحل والمغرب العربي تحولات مقلقة، تضع أوروبا، وتحديدا إسبانيا، في مواجهة تهديد إرهابي متصاعد.
وفي هذا السياق، نفذت السلطات الإسبانية مؤخرا عملية اعتقال شملت شخصين ينحدران من مخيمات البوليساريو الانفصالية في تندوف، وذلك بتهم خطيرة تتعلق بـ”التعاون مع منظمات جهادية” و”الإشادة بالإرهاب”.
تهديد مزدوج لإسبانيا من منطقة الساحل
كشفت التطورات الميدانية أن التهديدات الإرهابية التي تواجه إسبانيا تنبع، بشكل رئيسي، من مجموعتين تنشطان بحرية في منطقة الساحل المضطربة، وهما:
جماعة نصرة الإسلام والمسلمين: تسعى هذه الجماعة إلى التوسع في اتجاه المغرب العربي، الأمر الذي قد يضع الجهاديين على أبواب شبه الجزيرة الإيبيرية في حال تمكّنوا من تحقيق أهدافهم.
تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا: يعد هذا التنظيم أكثر عنفا، ويزداد خطره بسبب وجود قيادات صحراوية متطرفة في صفوفه. هؤلاء القادة، الذين يمتلكون القدرة على تحريض أفراد منفردين على تنفيذ هجمات داخل الأراضي الأوروبية، يُشكّلون تهديدا مباشرا لإسبانيا.
معسكرات تندوف و”برنامج عطلات في سلام”
أشارت مصادر استخباراتية ومعلوماتية إلى أن بعض القيادات المتطرفة في تنظيم “الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” ينحدرون من أصول صحراوية، وقد ولدوا ونشأوا في مخيمات تندوف الواقعة جنوب غرب الجزائر. وما يزيد من خطورة الوضع أن بعض هؤلاء الأشخاص سبق أن استفادوا من برنامج “عطلات في سلام”، الذي يُمكّن أطفال المخيمات من قضاء عطلتهم الصيفية في إسبانيا، بهدف تمكينهم من العيش مؤقتًا في ظروف إنسانية أفضل بعيدًا عن قسوة المخيمات والصحراء.
غير أن تقارير إعلامية وأمنية تفيد بأن هذا البرنامج، الذي يحمل طابعا إنسانيا، قد أتاح لهؤلاء الأفراد تعلم اللغة الإسبانية واكتساب مهارات تسهل عليهم لاحقا التواصل والتحرك داخل أوروبا دون إثارة الشبهات.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر إعلامية أن أحد المشتبه بهم الموقوفين في إسبانيا على خلفية أنشطة إرهابية، تجمعه صلة وثيقة بخطري أدوه، السفير الجديد لجبهة البوليساريو لدى الجزائر.
أفادت المصادر ذاتها بأن ممثلي البوليساريو في إسبانيا مارسوا ضغوطا على وسائل الإعلام المحلية لمنع الكشف عن أن المشتبه بهم ينحدرون من مخيمات تندوف. ويثير هذا التستر تساؤلات حول مدى تورط البوليساريو أو على الأقل تساهلها مع عناصر متطرفة تنشط ضمن صفوفها.
الساحل: منطقة مضطربة ومخاوف أوروبية
تشهد منطقة الساحل، التي تضم مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تصاعدا لافتا في النشاط الجهادي، مما حولها إلى واحدة من أبرز بؤر الإرهاب على مستوى القارة الإفريقية. ورغم أن الجماعات المتطرفة الناشطة في المنطقة لا تزال تركز في الغالب على أهداف إقليمية ضمن أجندتها العملياتية، إلا أن خبراء في مكافحة الإرهاب يحذرون من أن هذا الواقع قد لا يدوم طويلا، إذ “من الممكن أن يتغير في غضون أسابيع أو أشهر، ليشكّل تهديدًا مباشرًا للمصالح الغربية”، وفق تعبيرهم.
تمر فروع تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الإسلامية” في منطقة الساحل بأزمة قيادية حادة، تعرقل جهود التعبئة الجماعية وتعمق الانقسامات الداخلية، غير أن ذلك لا يقلل من خطورة قدرتها على إرسال مقاتلين لتنفيذ هجمات محتملة في الغرب.
وقد تضطر هذه الجماعات إلى الاعتماد على شبكات تهريب البشر لتسهيل عبور عناصرها عبر مسارات الهجرة غير النظامية المؤدية إلى أوروبا.
و أظهرت تقارير استخباراتية إلى أن جماعات مثل “نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا” تضم أعدادًا كبيرة من أفراد قبيلة الفولاني (البول)، ما يثير مخاوف من استغلال مخيم “مبيرا” للاجئين في موريتانيا الذي يحتضن نحو 200,000 شخص كنقطة انطلاق محتملة لمقاتلين يسعون للوصول إلى أوروبا عبر قوارب الهجرة.
دعوات إلى إعلان البوليساريو جماعة إرهابية
تفيد هذه التطورات بأن التهديد الإرهابي لأوروبا لا يقتصر على الجماعات الجهادية التقليدية، بل قد يمتد ليشمل عناصر مرتبطة بجبهة البوليساريو. وتُعزز هذه المعطيات الدعوات المتزايدة لإعلان جبهة البوليساريو جماعة إرهابية، خاصة في ظل ما يشاع عن تورطها المباشر في الإرهاب الدولي، واستغلالها لبرامج إنسانية مثل “عطلات في سلام” لأغراض دعائية، وربما لتصدير الإرهاب من مخيمات تندوف إلى أوروبا.
إن التحدي الأمني المتزايد يتطلب من الدول الأوروبية مراجعة شاملة لمواقفها من البوليساريو، ووضع خطة متكاملة لمكافحة هذه الظاهرة المعقدة التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
إقرأ أيضا: اعتقال إرهابيين من مخيمات البوليساريو في إسبانيا.. جرس إنذار يدق أمن أوروبا