24 ساعة-عبد الرحيم زياد
تشهد العلاقات الاقتصادية بين المغرب وروسيا في الآونة الأخيرة تطورًا ملحوظًا، حيث بدأت عدد من الشركات الروسية الاستثمار في القطاع الفلاحي بالمغرب، معلنةً بذلك عن مرحلة جديدة من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
فقد حطت هذه الشركات رحالها في العاصمة الرباط، بعد توقيع اتفاقيات تعاون مع شركات مغربية تهدف إلى إصلاح الأراضي الزراعية ورقمنة القطاع الفلاحي. وبدأ العمل الفعلي على مشاريع تتعلق بتحسين أنظمة الري واستخدام التكنولوجيا الحديثة في المجال الزراعي، في خطوة تعكس رغبة الطرفين في تعزيز الإنتاجية ومواجهة التحديات البيئية التي تواجه هذا القطاع الحيوي.
التعاون الروسي-المغربي
لكن التعاون الروسي-المغربي لا يقتصر على القطاع الفلاحي فقط، بل يمتد ليشمل مجالات متعددة تعكس طموح البلدين في بناء شراكة اقتصادية شاملة. من أبرز هذه المشاريع، نجد اتفاقية شركة “روساتوم” الروسية مع شريك مغربي لتنفيذ مشاريع تحلية مياه البحر باستخدام تقنيات مبتكرة.
يأتي هذا المشروع في سياق توجه المغرب نحو حلول مستدامة لمواجهة أزمة ندرة المياه الناجمة عن الجفاف والتغيرات المناخية، مما يجعل التعاون مع روسيا في هذا المجال خطوة استراتيجية ذات أهمية كبيرة.
وفي مجال الصناعة الثقيلة، تستعد شركة “كاماز” الروسية، إحدى أكبر الشركات في صناعة الشاحنات، لإنشاء مصنع لتجميع الشاحنات في المغرب بعد سنوات من المفاوضات. هذا المشروع لن يعزز فقط مكانة المغرب كمركز صناعي إقليمي، بل سيفتح المجال أمام فرص عمل جديدة ونقل تكنولوجي يدعم الاقتصاد الوطني. كما انفتحت الحكومة الروسية على تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة من منطقتي أنجارا وإيركوتسك لاستكشاف فرص الاستثمار في المغرب، خاصة في الصناعات الغذائية والكيميائية، مما يساهم في تنويع مجالات التعاون وتعزيز التبادل التجاري بين البلدين.
أين الجزائر من هذه الديناميكية
في ظل هذا التوسع الروسي في المغرب، يطرح السؤال نفسه: أين تقف الجزائر من هذه الاتفاقيات والاستثمارات؟ تاريخيًا، كانت الجزائر تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسيا، خاصة في المجال العسكري والطاقوي، حيث تعتبر موسكو أحد أكبر موردي الأسلحة للجزائر، كما أن التعاون في مجال النفط والغاز يشكل محورًا أساسيًا في العلاقات بينهما. لكن على عكس المغرب، الذي يركز على تنويع شراكاته الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية في قطاعات حيوية مثل الفلاحة والصناعة، تبدو الجزائر أقل انفتاحًا على مشاريع استثمارية روسية خارج إطار الطاقة والتسلح.
الجزائر، التي تعاني من تحديات اقتصادية داخلية واعتماد كبير على عائدات المحروقات، لم تظهر حتى الآن كوجهة مفضلة للشركات الروسية في مجالات مثل تحلية المياه أو الصناعات الثقيلة، ربما بسبب غياب استراتيجية واضحة لتنويع الاقتصاد أو بيئة استثمارية جاذبة. في المقابل، يبرز المغرب كبوابة استراتيجية لروسيا للدخول إلى الأسواق الإفريقية، مستفيدًا من موقعه الجغرافي المتميز واستقراره السياسي وسياساته الاقتصادية المنفتحة.
آفاق واعدة للتعاون المغربي-الروسي
يبدو أن الاستثمارات الروسية في المغرب تمثل بداية لمرحلة جديدة من التعاون الثنائي، حيث تجمع بين الحاجة المغربية إلى التكنولوجيا والخبرة الروسية من جهة، والرغبة الروسية في توسيع نفوذها الاقتصادي في إفريقيا من جهة أخرى. هذه الشراكة قد تكون نموذجًا للتعاون جنوب-شمال، خاصة إذا نجحت في تحقيق أهدافها المتمثلة في تعزيز الأمن الغذائي والمائي وتطوير الصناعة المحلية.
في النهاية، يظل المغرب يعزز مكانته كلاعب اقتصادي رئيسي في القارة الإفريقية، بينما تظهر روسيا كشريك استراتيجي يسعى لتعميق حضوره خارج الأسواق التقليدية. أما الجزائر، فقد تجد نفسها أمام تحدي إعادة تقييم استراتيجياتها الاقتصادية لمواكبة هذا الزخم الاستثماري الذي يشهده جارها الغربي.