24 ساعة-محمد العبدلاوي
أنصف القضاء الفرنسي مواطنا من أصل مغربي بعدما اضطر لحمل اسم مغاير لاسمه الحقيقي طيلة عقدين من الزمن داخل شركة خاصة، في قضية أعادت إلى الواجهة النقاش حول التمييز في بيئة العمل، لا سيما حين يتعلق الأمر بالهوية الثقافية والدينية للمهاجرين.
في هذا السياق، أفادت صحيفة “لوباريزيان” الفرنسية أن المحكمة أدانت شركة “إنترغراف فرانس”، التابعة لمجموعة سويدية، بتهم التمييز والتحرش المعنوي وانتهاك الخصوصية، بعد أن فرضت على الموظف المغربي محمد أمغار استخدام اسم “أنطوان” بدلا من اسمه الحقيقي طيلة عشرين عاما من العمل داخل الشركة.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير مصور نشر يوم 3 يونيو الجاري، أن القصة تعود إلى أواخر 1996، حين طُلب من محمد أمغار، بعد نجاحه في اجتياز مقابلة التوظيف، التخلي عن اسمه وعدم استخدامه داخل الشركة.
ورغم شعوره بالغضب والمهانة، لم يجرؤ محمد على المطالبة بتفسير، ليجد نفسه منذ ذلك الحين يعرف في بيئة العمل باسم “أنطوان”.
كما أكد محمد، في شهادته المصورة، أن مديره كان يعتقد بأن الاسم “محمد” غير مناسب للتعامل مع الزبناء، وهو ما اعتبره شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز، مضيفًا أنه اضطر للقبول بالأمر بسبب وضعه الاجتماعي، كأب لثلاثة أطفال يبلغ من العمر آنذاك الأربعين عامًا، ولم يكن لديه خيار آخر بعد مغادرته لوظيفة سابقة.
بعد مغادرته الشركة سنة 2017، قرر محمد رفع دعوى قضائية في 2018، طالبًا تعويضًا عن الضرر المعنوي الذي لحقه، غير أن القضاء رفض الدعوى في المرحلة الابتدائية سنة 2022.
وبعد الاستئناف، شددت المحكمة على أن الشركة لم تقدم أي مبرر قانوني لاستخدام اسم غير رسمي في وثائق العمل، ولم تثبت أن ذلك كان بطلب من محمد، ما جعلها تدين الشركة بالتهم المنسوبة إليها.
وحكم على “إنترغراف فرانس” بأداء مبلغ يقارب 30 ألف يورو كتعويض، وهو ما وصفه محمد بـ”غير الرادع” لشركة كبرى، مضيفًا: “هذا لا شيء بالنسبة لهم، لكن الأهم هو الاعتراف بما حصل. عشرون سنة من حياتي لا تُعوّض”.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الشركة رفضت التعليق على الحكم، واكتفت مجموعة “هيكساغون” السويدية، المالكة الحالية لـ”إنترغراف”، بالتأكيد على التزامها ببيئة عمل محترمة وشاملة لأكثر من 24 ألف موظف حول العالم.
من جهته، اعتبر محمد أن مبلغ التعويض رمزي، لكنه شدد على أهمية إنصافه المعنوي، قائلًا إن الحكم أعاد له جزءًا من كرامته، حتى وإن لم يمحُ الألم النفسي الذي لازمه طوال هذه السنوات.
ولقي الحكم ترحيبا واسعا من قبل جمعيات حقوق الإنسان في فرنسا، من بينها “SOS Racisme” و”LICRA”، التي أكدت أن القرار يشكل خطوة مهمة في مواجهة التمييز داخل أماكن العمل، بينما عبر عدد من النشطاء عن تضامنهم مع محمد، مشيرين إلى أن قضيته كشفت معاناة العديد من المهاجرين في بيئات مهنية مغلقة.
في المقابل، أكد خبراء قانونيون على أن هذا الحكم يبعث برسالة واضحة إلى أرباب العمل، مفادها أن أي محاولة لطمس هوية الموظفين أو فرض أسماء جديدة عليهم لن تمرّ دون محاسبة، مؤكدين أن القضاء الفرنسي بات أكثر حزمًا في الدفاع عن حقوق العمال المنحدرين من خلفيات مهاجرة.