24ساعة-زينب لوطفي
فرضت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم نفسها كعلامة فارقة في مسار تطوير اللعبة بالمغرب، بعدما بدأت بصمات خريجيها تتجلى بوضوح في أداء المنتخبات الوطنية للفئات السنية، وجاء التألق الأخير لـ”أشبال الأطلس” في كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة، ليعيد تسليط الضوء على هذه المؤسسة التي أصبحت مشتلاً حقيقيًا للمواهب، ورافعة أساسية لمستقبل الكرة المغربية.
في هذا السياق، أكد الباحث المغربي المتخصص في السياسة الرياضية منصف اليازغي، في تصريح لجريدة “24ساعة”، آليوم الإثنين، أن فكرة إنشاء الأكاديمية كانت ضرورة ملحّة في ظل العجز الواضح الذي كانت تعانيه الأندية الوطنية على مستوى التكوين، قائلا: “في السابق، لم تكن الأندية تمتلك الإمكانيات ولا البنية التحتية الكافية لتكوين اللاعبين في مختلف الفئات العمرية، كما أن غياب الأطر المتخصصة والبنية الاستقبالية للتكوين زاد من تعقيد الوضع.”
وأوضح أن هذه النواقص دفعت الدولة إلى التدخل، ليُطلق الملك محمد السادس مشروع الأكاديمية في أعقاب الإخفاق الكبير للمنتخب المغربي في كأس إفريقيا 2008 بغانا، وهو المشروع الذي حمل اسمه، وجاء برؤية واضحة لملء هذا الفراغ وتأسيس مسار احترافي حقيقي لتكوين اللاعبين.
وشدد اليازغي على أن النجاحات التي تحققها المنتخبات الوطنية السنية اليوم، خاصة على مستوى التأهل المنتظم إلى النهائيات القارية، هي دليل قوي على نجاعة هذا المشروع، “قبل سنة 2011، كنا نفتقد حتى التأهل للنهائيات في فئتي أقل من 17 أو 20 سنة، لكن اليوم، بفضل الأكاديمية، أصبح التأهل أمرا طبيعيا، بل صرنا نطمح للظفر بالألقاب، وليس فقط المشاركة،” يضيف اليازغي.
وأكد أن الأكاديمية لا ترفد المنتخبات فقط، بل تزوّد الأندية المحلية والدولية بلاعبين جاهزين، مبرزا أن اللاعب المتخرج من الأكاديمية يتمتع بتكوين شامل من النواحي التقنية، التكتيكية، والتواصلية، ما يجعله عنصرا متكاملا ومطلوبًا من قبل العديد من الفرق في الداخل والخارج.
وفي معرض مقارنته بين أكاديمية محمد السادس وأكاديميات أخرى في إفريقيا مثل “أسباير” القطرية أو نظيراتها في السنغال وكوت ديفوار، قال اليازغي: “لكل أكاديمية فلسفتها، فمثلاً أكاديمية أسباير تعتمد على استقطاب لاعبين أجانب وتجنسهم أحيانًا، بينما الأكاديميات الإفريقية الأخرى تركّز على تصدير اللاعبين، دون أن تستفيد منها الأندية المحلية، وهو ما أدى إلى تراجعها على المستوى القاري.”
وشدد على أن أكاديمية محمد السادس تختلف تمامًا، كونها مشروعًا ملكيًا برؤية وطنية، يهدف إلى تطوير الكرة المغربية من الداخل، ويخدم الأندية والمنتخبات الوطنية في آنٍ واحد، مضيفًا: “لا يمكن مقارنة هذا المشروع بأي تجربة أخرى، لأنه خرج من رحم الحاجة وبتصوّر مغربي خالص.”
وعن مستقبل الأكاديمية ومدى استمرار تفوق خريجيها، قال اليازغي إن المسألة لا تتعلق بهيمنة، بل بتصحيح أخطاء الماضي، مشيرًا إلى أن المغرب بات يمتلك اليوم بنية تكوينية صلبة، خاصة مع مشروع ربط مراكز التكوين بالمكتب الشريف للفوسفاط، تحت إشراف الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، مما سيساهم في تعميم تجربة الأكاديمية وتوسيع أثرها.
وختم اليازغي حديثه بالتأكيد على أن الأكاديمية ساهمت بشكل كبير في تحسين صورة كرة القدم المغربية على الصعيدين القاري والدولي، مشيرًا إلى أن عدة دول بدأت تتجه نحو استنساخ النموذج المغربي، ومنها السعودية التي استعانت بخبرات من الأكاديمية.
وقال: “اليوم، المغرب لا يقدّم فقط لاعبين مميزين، بل يقدّم نموذجًا ناجحًا في التكوين، يثبت أن لدينا فلسفة كروية واضحة المعالم، تجعلنا في موقع الريادة.”