24ساعة-عبد الرحيم زياد
تشهد قضية الصحراء المغربية تطورات متسارعة تعزز مكانة المغرب على الساحة الدولية، حيث باتت الاعترافات المتتالية بمغربية الصحراء، خاصة من دول مؤثرة كالولايات المتحدة وإسبانيا، تُشكل تحديا كبيرا للدبلوماسية الجزائرية.
وجاء في تقرير نشرته مجلة “أتلانتيكو” الفرنسية، وضعت الجزائر في موقف دفاعي، بل وأحيانا محاصر، في ظل تغيرات إقليمية ودولية تضيق الخناق على استراتيجيتها التقليدية في إدارة هذا النزاع.
وحسب التقرير، فإن سلسلة الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء أحدثت ارتباكا واضحا في السياسة الخارجية الجزائرية، التي اعتمدت لعقود على تثبيت الوضع الراهن في النزاع.
وجعل هذا التحول الجزائر تواجه ضغوطا متزايدة ليس فقط من الغرب، حيث تقدم المغرب في ملف الصحراء المغربية، بل أيضا من الجنوب والشرق، حيث تتصاعد التوترات الأمنية والسياسية في مالي وليبيا، إلى جانب القلق الجزائري من التغيرات السياسية في تونس، وهو الأمر الذي دفع الجزائر بإنشاء قاعدة عسكرية جديدة في منطقة بشار، بالقرب من الحدود مع المغرب ومالي، كمحاولة لإرسال رسائل أمنية واضحة.
في هذا الصدد، أشار التقرير ذاته، إلى أن هذه الخطوة لا تستهدف المغرب فحسب، بل تمتد لتشمل مالي، حيث تشهد العلاقات بين البلدين توترات غير مسبوقة.
وهذا التوتر تفاقم بعد استبعاد الجزائر من إدارة الأزمة الأمنية في شمال مالي، مع صعود نفوذ مجموعة “فاغنر” الروسية والدعم الروسي الواضح للمجلس العسكري في باماكو.
أزمة الجزائر ومالي: تصعيد غير متوقع
من أبرز مظاهر هذا التوتر الأزمة التي اندلعت بين الجزائر ومالي إثر إسقاط طائرة مسيرة تركية الصنع في منطقة تينزواتين الحدودية، حيث إن هذه الحادثة أدت إلى تبادل الاتهامات بين البلدين، وتصاعدت الأمور إلى حد سحب السفراء وإغلاق المجال الجوي المتبادل، وهي خطوة نادرة بين دولتين جارتين.
كما أن هذا التصعيد يعكس عمق الأزمة التي تمر بها العلاقات الجزائرية-المالية، خاصة مع تراجع دور الجزائر في معالجة الأزمات الأمنية في منطقة الساحل.
روسيا: توازن دبلوماسي يُقلق الجزائر
على صعيد العلاقات الدولية، يسلط التقرير الضوء على تغير ديناميكيات العلاقة بين الجزائر وروسيا، الحليف التقليدي للأولى، رغم توقيع اتفاق استراتيجي بين البلدين في يونيو 2023، يشمل التعاون العسكري والأمني، إلا أن روسيا تبنت نهجا براغماتيا في التعامل مع نزاع الصحراء المفتعل.
وبدلا من الانحياز الكامل للجزائر، حافظت موسكو على قنوات اتصال مفتوحة مع المغرب، مشجعة الرباط على تعزيز العلاقات التجارية معها.
وهذا الموقف المحايد، الذي تصفه “أتلانتيكو” بـ”المهادنة غير المقبولة” من وجهة نظر الجزائر، أثار استياء النظام الجزائري، الذي كان يأمل في دعم روسي أكثر وضوحا.
المغرب: تقدم دبلوماسي وثبات استراتيجي
في المقابل، يواصل المغرب تعزيز مكانته كقوة دبلوماسية رائدة في المنطقة، بعد الاعترافات الدولية بمغربية الصحراء، إلى جانب الشراكات الاقتصادية والسياسية المتنامية، التي مكنت المملكة من تحقيق تقدم ملحوظ في قضيتها الوطنية الأولى.
وهذا النجاح لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة استراتيجية دبلوماسية واضحة ترتكز على الانفتاح والتعاون مع الشركاء الدوليين، مع الحفاظ على علاقات متوازنة حتى مع القوى التي تتعامل مع خصومها.
مستقبل التوازنات الإقليمية
تضع التحولات التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، والتي عززتها الاعترافات الدولية، الجزائر أمام تحديات معقدة، حيث إن التوترات مع مالي، والتوازن الروسي في العلاقات مع المغرب، كلها تبرز حالة الضغط التي تواجهها الدبلوماسية الجزائرية.
وفي المقابل، يواصل المغرب مسيرته نحو تعزيز سيادته على أراضيه، معتمدا على دبلوماسية نشطة وموقف استراتيجي يعكس ثقته بمستقبل القضية.