منذ بدء الحرب على غزة، نزل المغرب بكامل ثقله من أجل الوصول إلى حل ينهي أولا العنف الذي كبد الفلسطيني عشرات الآلاف من أبناء الوطن الجريح، وحول حياة مئات الآلاف بين جريح ومشرد إلى جحيم حقيقي.
في كواليس اشتغال الدبلوماسية المغربية، وبعيدا عن أضواء الإعلام، قدم المغرب مساعدات على اكثر من مستوى، بتعليمات من الملك محمد السادس، فضلا عن الرسائل التي وجهها جلالته والخطب التي ظلت تدعو وتلح على ضرورة الوصول إلى حل دائم يضمن للشغب الفلسطيني حقوقه التاريخية.
مواقف العاهل المغربي ستظل شاهدة على تاريخ المملكة في الدفاع المبدئي عن القضية الفلسطينية. نتذكر موقف جلالته، ضمن الخطاب الذي وجهه إلى القمة الـ15 لمنظمة التعاون الإسلامي، حين قال إن “العدوان الغاشم على غزة، الذي جعل الشعب الفلسطيني الأبي يعيش أوضاعا بالغة الخطورة، يشكل وصمة عار على جبين الإنسانية”.
هذا مثال فقط، وإلا فإن للملك محمد السادس مواقف قوية في مختلف الرسائل وللخطب، مع بصمة واضحة في إمداد ساكنة غزة بالمساعدات في فترة كانت فيها إسرائيل تغلق الأبواب أمام الدول الكبرى لإدخال المساعدات.
مساعدات استثنائية
خلال هذه الأزمة غير المسبوقة، أثبت المغرب قدرته على نقل مساعدته الإنسانية عبر طريق بري غير مسبوق وإيصالها مباشرة إلى السكان المستفيدين في قطاع غزة المحاصر، بما يعكس أن للمملكة كلمتها المسموعة في الشرق الأوسط، وكذلك دوره الاستراتيجي الذي يمكن أن يلعبه في ملف السلام بمنطقة الشرق الأوسط تحديدا، من خلال تقريب وجهات النظر بين المتصارعين مع التمسك بالمبادئ المؤطرة للسياسة الخارجية المغربية.
ومنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في الثامن من أكتوبر الماضي، تعد المملكة أول بلد يقوم بهذه المبادرة، ما يكشف من جهة أخرى أن استخدام المغرب لممر بري غير مسبوق، يمكن النظر إليه أيضا من جانب إدراك صانع القرار السياسي المغربي عدم فعالية الإسقاط الجوي للمساعدات الذي ظل غير كاف ووسيلة غير ناجعة بسبب عشوائيته وفي غياب تنسيق محكم على الأرض في نقاط محددة لدعم الفئات الأكثر هشاشة والأكثر احتياجا للمساعدات، وفق متتبعين.
ويرى مراقبون أن الدخول برا في ظل الظروف الميدانية والعسكرية التي يعيشها القطاع، يكشف عن دبلوماسية فعالة وموقف إقليمي رصين. فكون المملكة المغربية أول دولة عربية تقوم بإدخال مساعدات برية إلى القطاع، يبرز بشكل جلي دورها المركزي في نصرة القضايا العادلة في الملف الفلسطيني والحفاظ عن المقدسات الإسلامية في القدس الشريف ودعم جهود تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط في إطار الالتزام الكامل.
التزام ملكي
لقد ظلت القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في خطب ورسائل الملك محمد السادس. وهكذا، واصل جلالته التأكيد على موقع القضية الفلسطينية ضمن القضايا الرئيسية للسياسة الخارجية للدولة، إذ أكد خلال الخطاب الموجه للشعب المغربي بمناسبة الذكرى الـ25 لتربعه على العرش، أن “الاهتمام بالأوضاع الداخلية لبلادنا لا ينسينا المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني الشقيق”.
وذكّر الملك، بصفته رئيس لجنة القدس، بالمبادرات المغربية الداعمة للفلسطينيين عن طريق “فتح طريق غير مسبوق، لإيصال المساعدات الغذائية والطبية الاستعجالية، إلى إخواننا في غزة”.
وأكد الملك أنه “بنفس روح الالتزام والمسؤولية، نواصل دعم المبادرات البناءة، التي تهدف إلى إيجاد حلول عملية، لتحقيق وقف ملموس ودائم لإطلاق النار، ومعالجة الوضع الإنساني”.
وقال إن “تفاقم الأوضاع بالمنطقة يتطلب الخروج من منطق تدبير الأزمة، إلى منطق العمل على إيجاد حل نهائي لهذا النزاع”، وهذا الأمر يقوم على “ضرورة وقف الحرب، في غزة، كأولوية عاجلة، بموازاة مع فتح أفق سياسي، كفيل بإقرار سلام عادل ودائم في المنطقة”.
كما يقوم ذلك أيضا على اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام، بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، بما يتطلب ذلك من قطع الطريق على المتطرفين، من أي جهة كانوا.
وعبر الملك عن القناعة بأن “إرساء الأمن والاستقرار بالمنطقة، لن يكتمل إلا في إطار حل الدولتين، تكون فيه غزة جزءا لا يتجزأ من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية”.