الدار البيضاء-أسماء خيندوف
بعد مرور عامين على تعميم التأمين الإجباري عن المرض (AMO)، أظهرت الأرقام الرسمية تحسنا ملحوظا في عدة جوانب، أبرزها ارتفاع عدد المستفيدين، وزيادة الملفات المعالجة، وتقليص آجال دراسة الطلبات. ورغم هذه الإنجازات، لا تزال هناك تحديات قائمة، من بينها صعوبة ولوج بعض الفئات إلى التغطية الصحية، إضافة إلى إشكالية عدم أداء المساهمات من قبل بعض المسجلين.
قفزة نوعية في أعداد المستفيدين
في ندوة نظمتها صحيفة “La Vie éco” يوم الخميس بالدار البيضاء، استعرض حسن بوبريك، المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، حصيلة التعميم، مؤكدا أن نهاية عام 2022 شهدت إدماج فئة العمال غير الأجراء، إضافة إلى انتقال أربعة ملايين مستفيد من نظام “راميد” إلى التأمين الإجباري عن المرض تضامن دفعة واحدة. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد المستفيدين المسجلين في النظام إلى 11 مليون شخص، ما شكل تحديًا كبيرًا على المستويات التنظيمية والتشريعية.
كما كشف بوبريك عن تضاعف عدد المسجلين في الصندوق بأكثر من ثلاث مرات، إذ ارتفع من 7 إلى 8 ملايين مستفيد إلى 25 مليونا يشملون ذوي الحقوق. أما عدد الملفات المعالجة يوميا، فقد شهد قفزة كبيرة، إذ انتقل من 22 ألف ملف يوميا في عامي 2021-2022 إلى 110 آلاف ملف يوميا بحلول دجنبر الماضي.
معيقات تحول دون استفادة الجميع
ورغم هذه الأرقام المشجعة، لا يزال هناك 8.5 مليون شخص غير مشمولين بالتأمين الإجباري عن المرض. وأوضح بوبريك أن الأمر لا يتعلق بعدم توفر التغطية الصحية، بل يعود إلى عدم تسجيلهم بعد ضمن نظام AMO الشامل أو إلى إغلاق حقوقهم بسبب عدم أداء الاشتراكات. وأكد أن الاستفادة من التأمين مشروطة بتسديد المساهمات، مضيفا أنه في حال تعذر ذلك على بعض المواطنين، فإن الدولة تتدخل لتغطية تكاليفهم وفقًا لمؤشر الاستهداف الاجتماعي المعتمد في السجل الاجتماعي الموحد، المعروف باسم “مؤشر”.
كما شدد على أن التغطية الصحية متاحة بتكلفة منخفضة تتراوح بين 160 و200 درهم شهريا لفئات مثل الفلاحين، وأن معظم الإجراءات باتت رقمية وسهلة الولوج، مع تقليص مدة معالجة التعويضات إلى ما بين 8 و9 أيام فقط.
من جانبه، أكد عبد الكريم مزيان بلفقيه، الكاتب العام لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، أن توسيع الحماية الاجتماعية يأتي ضمن مشروع وطني يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، ويرتكز على أربعة محاور رئيسية: تعميم التأمين الصحي، توسيع الاستفادة من التعويضات العائلية لنحو 7 ملايين طفل، تقديم تعويضات عن فقدان الشغل، وإصلاح نظام التقاعد.
وشدد بلفقيه على أن تطوير النظام الصحي لا يمكن أن يعتمد فقط على القطاع العام، بل يحتاج إلى مساهمة القطاع الخاص، ما استدعى إجراء إصلاحات هيكلية شملت توسيع العرض الصحي في القطاعين العام والخاص، وتعزيز الحوكمة عبر مؤسسات جديدة مثل الهيئة العليا للصحة، ووكالة الدم، ووكالة الأدوية، إضافة إلى تأهيل الموارد البشرية وتسريع رقمنة القطاع.
وأشار إلى أن رقمنة ملفات العلاج ستتيح توفير ما بين 400 و500 مليون درهم سنويًا، كما أن دمج جميع الفاعلين الصحيين في نظام رقمي متكامل سيضمن سرعة الخدمة وشفافيتها.
القطاع الصحي بين ضغط التعميم وتحديات الاستجابة
فيما يخص تأثير تعميم التأمين الصحي على الخدمات الطبية، أكد رشدي طالب، الرئيس التنفيذي لمجموعة “أكديطال”، أن التعميم فرض ضرورة تطوير البنية الصحية لضمان وصول سكان المناطق النائية إلى خدمات علاجية بنفس الجودة المتاحة في المدن الكبرى.
وفي القطاع العام، أقر رؤوف محسين، مدير المركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا بالرباط، بازدياد الضغط على المستشفيات، مشددًا على ضرورة إعطاء الأولوية للحالات المستعجلة والمرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة مثل السرطان.
أما في القطاع الخاص، فقد أوضح ياسر السفياني، أستاذ الطب ومدير إحدى العيادات، أن بعض التخصصات مثل أمراض القلب استفادت من التعميم لتعويض النقص الحاصل في المستشفيات العمومية. ولكنه حذر من أن يؤدي ذلك إلى تزايد توجه المرضى نحو القطاع الخاص، حتى في الحالات التي يمكن علاجها ضمن المستشفيات العمومية.
وبين المكاسب المحققة والتحديات المستمرة، يظل تعميم التأمين الإجباري عن المرض ورشًا استراتيجيًا يتطلب متابعة دقيقة وإصلاحات متواصلة لضمان تحقيق الأهداف المنشودة في تمكين جميع المغاربة من الاستفادة من تغطية صحية عادلة وناجعة.