24 ساعة-متابعة
تواصل الجزائر تكريس سياسات عدائية متجاوزة لحدودها، في وقت يطمح فيه جيرانها إلى بناء تعاون إقليمي متوازن ومستقر، فمنذ سنوات، ينهج النظام العسكري الجزائري مسارا تصعيديا قائما على افتعال الأزمات، ودعم الحركات الانفصالية، والتدخل المباشر في شؤون الدول ذات السيادة، في تحد سافر للقوانين الدولية ومبادئ حسن الجوار.
وآخر فصول هذا النهج تمثل في إسقاط طائرة مسيرة مالية داخل التراب المالي، وما تلاه من قرار بإغلاق المجال الجوي أمام الطيران المدني المالي، مما يعكس بوضوح توجها جزائريا انعزاليا وعدوانيا، لا يخدم إلا مصالح فئة ضيقة داخل السلطة، ويهدد بتأجيج التوترات في منطقة الساحل والصحراء.
وفي هذا السياق، قدم الأستاذ خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية، قراءة تحليلية دقيقة حول خلفيات هذا التوتر الإقليمي، متهما الجزائر بالسعي لفرض هيمنتها على جيرانها واعتماد منطق العداء والتوسع على حساب استقرار المنطقة.
وقال الأستاذ خالد شيات، في تصريحه لـ “24 ساعة”، إن إقدام الجزائر على إسقاط طائرة مسيرة مالية والتدخل في الشأن الداخلي لدولة مالي، يعد مثالا جديدا على محاولاتها المستمرة لفرض رؤيتها السياسية على دول الجوار، في إطار ما وصفه بـ”النهج العنجهي” الذي يطبع سلوك النظام الجزائري.
وأوضح الخبير أن الجزائر تسعى منذ سنوات إلى لعب دور الدولة المهيمنة، ليس فقط في شمال إفريقيا بل على مستوى القارة الإفريقية، متبنية خطابا يعكس “وهم العظمة”، وهو ما جعلها تدعي لنفسها حق التدخل في شؤون الدول الأخرى، بل وتوجيه سياساتها الداخلية والخارجية حسب ما تقتضيه مصالح النظام العسكري الحاكم في الجزائر.
وأفاد شيات أن الجزائر مسؤولة بشكل مباشر عن العديد من الأزمات الإقليمية، لكونها كانت مصدر تفشي الظاهرة الإرهابية خلال تسعينيات القرن الماضي، ثم عملت لاحقا على تصدير هذه الفوضى إلى بلدان الجوار.
وأشار إلى أنها لم تكتف بذلك، بل قامت بدعم حركات انفصالية في عدد من الدول الإفريقية، كما هو الحال مع “البوليساريو” في الصحراء المغربية، و”الأزواد” في شمال مالي، في محاولة لخلق كيانات تدور في فلكها وتخدم مشروعها الإقليمي.
واعتبر الأستاذ الجامعي أن إسقاط الجزائر لطائرة مسيرة مالية كانت في مهمة عسكرية ضد جماعات إرهابية، يعد تدخلا سافرا وغير مبرر في الشأن الداخلي لدولة ذات سيادة، ومحاولة لتوجيه مسار الصراعات الداخلية نحو أطراف معينة بدعم عسكري مباشر، وهو ما أجج رد فعل مالي، الذي لم يكن فرديا بل جاء في إطار تنسيق جماعي بين دول الساحل، خاصة مالي وبوركينا فاسو والنيجر.
وأشار شيات إلى أن هذا الرد الجماعي يستند إلى اتفاق دفاعي مشترك بين هذه الدول، ينص على أن أي اعتداء على إحداها يعتبر اعتداء على البقية، مما يمنحها الشرعية الكاملة في الرد على التدخل الجزائري، بل ويظهر هشاشة الموقف الدبلوماسي للجزائر التي تتبنى خطابا مزدوجا لا ينسجم مع الوقائع.
وأضاف أن إغلاق الجزائر لمجالها الجوي في وجه الطيران المدني المالي، بعد أن كانت قد أغلقته في وقت سابق أمام المغرب، يعبر عن سياسة انعزالية متطرفة، تؤكد أن الجزائر باتت في مواجهة مفتوحة مع أغلب جيرانها، وتتجه نحو خلق مزيد من التوترات في المنطقة.
وأكد شيات أن الجزائر تحولت إلى “دولة مارقة”، وأن نظامها العسكري أصبح منبوذا إقليميا، ويحتاج إلى موقف موحد من كافة دول الجوار من أجل كبح جماح سياساته التوسعية وإعادته إلى حجمه الطبيعي، مشددا على أن الوضع الراهن يتطلب تكتل الجهود لوضع حد لنهج العداء الذي أصبح يهدد الأمن والاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.
واختتم الخبير تصريحه بالتأكيد على أن مواجهة هذه الانزلاقات الجزائرية يجب أن تكون شاملة، سياسية ودبلوماسية، لمواجهة نظام لا يؤمن بقواعد حسن الجوار، ويصر على خلط الأوراق وتصدير أزماته الداخلية عبر بوابة تدخلات خارجية خطيرة.