24 ساعة ـ متابعة
كشف تقرير تحليلي صادر عن موقع “Sahel Intelligence” الفرنسي المتخصص في القضايا الجيوسياسية بشمال وغرب إفريقيا، عن تناقض صارخ في تعامل النظام الجزائري مع مبدأ “تقرير المصير”.
وفي الوقت الذي تدعي فيه الجزائر أنها “المدافع الشرس” عن هذا الحق فيما يتعلق بالصحراء المغربية ودعمها لجبهة البوليساريو الانفصالية، تتجاهل وتَقمع أي تعبير سلمي عن مطالب مماثلة داخل حدودها، وخاصة في منطقة القبايل.
ازدواجية المعايير: البوليساريو “حق” والماك “إرهاب”
يعرض التقرير حالة واضحة من ازدواجية المعايير لدى النظام الجزائري، فبينما تُقدم الجزائر الدعم السياسي والعسكري والمالي لجبهة البوليساريو، وتستضيفها في مخيمات تندوف وتمنحها غطاءً دبلوماسيًا، تُصنف في المقابل حركة “الماك” (الحركة من أجل تقرير مصير منطقة القبايل) السلمية، كـ”تنظيم إرهابي”.
ويأتي هذا التصنيف دون تقديم أي أدلة مادية على تورط “الماك” في أعمال عنف أو تهديد للأمن العام، مما يثير تساؤلات جدية حول الدوافع الحقيقية وراء هذا التباين.
القمع الداخلي والدعم الخارجي
تؤكد ساحل أنتليجنس، أن منطقة القبايل، الواقعة شرقي الجزائر، تعتبر من أكثر المناطق التي تُظهر رفضًا للسياسات المركزية للدولة. ومن خلال الحكومة القبايلية المؤقتة في المنفى، بقيادة فرحات مهني، يطالب الأمازيغ القبايليون بحقهم في الحكم الذاتي في إطار نضال سلمي وديمقراطي. ورغم هذه الطبيعة المدنية للحراك، فقد واجه قمعًا شديدًا من السلطات الجزائرية، شمل حملات اعتقال ومضايقات واسعة للنشطاء، ورفضًا لأي وساطة دولية، حتى بلغ الأمر بتصنيف “الماك” جماعة إرهابية في عام 2021.
وعلى النقيض، تتجاهل الجزائر تقارير متعددة تربط جبهة البوليساريو بانخراط عناصرها في شبكات تهريب السلاح والمخدرات، والتعاون مع تنظيمات إرهابية مثل “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” و”داعش الساحل”.
وتشير بعض التقارير الاستخباراتية والحقوقية إلى تورط عناصر من البوليساريو في التنسيق مع الحرس الثوري الإيراني، ضمن شبكات عابرة للحدود تشمل التهريب والتجنيد وتدريب المسلحين.
“البارادوكس الجيوسياسي” وتداعياته
يرى المحللون أن هذا التناقض يكشف عن ازدواجية صارخة في الخطاب الجزائري: فالنظام العسكري لا يعترف بحق تقرير المصير إلا إذا كان يخدم أهدافه الإقليمية، وتحديدًا تقويض استقرار الجار المغربي.
أما عندما يتعلق الأمر بمطالب داخلية قد تهدد بنيته السلطوية، كما هو الحال في القبايل، فلا يتردد في اللجوء إلى القمع والشيطنة.
هذا التناقض، وفق المصدر، يطرح سؤالا وجوديا حول مبدأ حق تقرير المصير: هل هو مبدأ قانوني راسخ أم مجرد ورقة تكتيكية في لعبة المحاور الإقليمية؟ يدعو التقرير المجتمع الدولي إلى مراجعة النظرة التقليدية لنزاع الصحراء المفتعل، وإدراك الطابع التوسعي والسياسي لاستخدام الجزائر للبوليساريو كورقة ضغط إقليمي، وليس كقضية حقوقية مستقلة.
ويشجع السكوت عن هذا الانفصام في الموقف الجزائري، تضيف ساحل أنتليجنس، على مزيد من العبث بأمن المنطقة، ويهدد بتحويل شمال إفريقيا إلى ساحة حرب بالوكالة تدار من غرف القرار العسكري في الجزائر.
وفي الوقت الذي يقدم فيه المغرب مشروع حكم ذاتي جادًا ومعترفًا به دوليًا كحل سلمي لنزاع الصحراء، تواصل الجزائر دعم حركة مسلحة انفصالية خارجيًا، بينما تخنق حراكًا سلميًا داخليًا