24 ساعة ـ متابعة
في فبراير 2025، كشفت ويكيليكس عن تفاصيل مثيرة حول إمبراطورية إعلامية ممولة من الحكومات تؤثر بصمت على ما يقرأه ويراه ويصدقه مليارات البشر. في قلب هذه العملية توجد منظمة قد لا تكون سمعت بها من قبل: شبكة إنترنيوز (Internews Network). تقدم نفسها كمنظمة غير ربحية تدعم “الصحافة المستقلة”، لكن وراء هذه الرسالة النبيلة تكمن عملية عالمية يقول منتقدوها إنها تهدف إلى توجيه الروايات بدلاً من تقديم الحقائق.
أرقام مذهلة
على مدار العقدين الماضيين، تلقت إنترنيوز ما يقرب من 473 مليون دولار من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ووزارة الخارجية الأمريكية. وتضاف إلى ذلك ملايين أخرى من مؤسسات مدعومة من أثرياء مثل مؤسسة جورج سوروس للمجتمع المفتوح، ومؤسسة روكفيلر، ومؤسسة بيل وميليندا غيتس. هذا التمويل الهائل خلق ما يشبه “فرانكشتاين إعلامي” مدعوم بالمال الحكومي والنفوذ الخاص.
في عام 2023 وحده، عملت إنترنيوز مع 4,291 وسيلة إعلامية، وأنتجت 4,799 ساعة من البرامج، ودربت أكثر من 9,000 صحفي. وتدعي أنها وصلت إلى جمهور يبلغ 778 مليون شخص حول العالم—أي أكثر من ضعف سكان الولايات المتحدة.
🚨EXCLUSIVE – BOUGHT AND PAID FOR: HOW $472 MILLION BUILT A GLOBAL LEFT-WING MEDIA MACHINE
In February 2025, WikiLeaks pulled back the curtain on a government-funded media empire that’s been quietly shaping what billions of people read, watch, and believe.
At the center of it… https://t.co/j8603RPQOV pic.twitter.com/FUUb0VLIYi
— Mario Nawfal (@MarioNawfal) April 24, 2025
شروط تمويل مشبوهة
لكن الأمور ليست بريئة كما تبدو. إنترنيوز لا تقدم فقط معدات وميكروفونات للصحفيين، بل تربط المنح بشروط أيديولوجية. في المجر، على سبيل المثال، اتهم مسؤولون إنترنيوز بتمويل وسائل إعلام معارضة للحكومة تحت ستار “تطوير الإعلام”. إذا لم تتماشَ مع الخط المطلوب، فلا مال لك.
في أوكرانيا، مولت إنترنيوز 9 من أصل 10 وسائل إعلام رئيسية، وكانت جميعها تقريبًا تروج لمحتوى مؤيد للناتو وداعم للصراع أثناء الحرب. وفي كوسوفو، قبل أشهر من اندلاع احتجاجات كبيرة في صربيا، قدمت إنترنيوز منحًا للصحفيين لكتابة مقالات باللغة الصربية تروج لروايات “إيجابية” عن العلاقات الألبانية-الصربية. قد يبدو ذلك بريئًا، لكنه في الحقيقة محاولة ممولة من الخارج لتشكيل الخطاب حول نزاعات عرقية حساسة.
التحكم بالمحتوى
إنترنيوز لا تكتفي بالتمويل، بل تسيطر على المحتوى. من خلال شبكتها للصحافة البيئية (Earth Journalism Network)، أطلقت منحًا إعلامية بقيمة 100,000 دولار تركز على تغطية المناخ في آسيا. لكن التفاصيل تكشف أن إنترنيوز ومانحيها يحتفظون بحق تعديل ونشر المحتوى. بمعنى آخر، الصحافة ممولة، لكن الإنتاج النهائي تحت سيطرتهم.
حتى الإعلانات ليست بعيدة عن نفوذهم. من خلال برنامج “الإعلانات من أجل الأخبار”، تتعاون إنترنيوز مع GroupM، أكبر مشتري إعلامي في العالم، لتوجيه الأموال الإعلانية إلى وسائل إعلام “موثوقة”. إذا لم تكن ضمن القائمة، فلن تحصل على شيء. إنه بمثابة برنامج ولاء رقمي يمنح المصداقية والمال لمن يتماشون مع الأجندة.
قيادة مثيرة للجدل
تترأس إنترنيوز جين بورغو، مسؤولة حكومية أمريكية سابقة تقاضت 451,000 دولار في عام 2023. عملت سابقًا في برامج “الانتقال” في دول ما بعد الاتحاد السوفيتي وأشرفت على ميزانية بقيمة 250 مليون دولار في السفارة الأمريكية بموسكو. في 2023، أطلقت صندوقًا إعلاميًا بقيمة 10 ملايين دولار في مبادرة كلينتون العالمية بدعم من هيلاري كلينتون. مجلس إدارة إنترنيوز يضم مانحين ديمقراطيين بارزين وشخصيات سياسية، وتكشف ويكيليكس أن إحدى فروعها الستة مسجلة في جزر كايمان، وهي ملاذ ضريبي سيء السمعة.
ومما يثير الدهشة أن مقرها في كاليفورنيا، حسب التقارير، هو مبنى مهجور لا يزال مدرجًا في الوثائق الرسمية. إمبراطورية إعلامية بقيمة نصف مليار دولار، تؤثر في عشرات الدول، ممولة من أموال دافعي الضرائب، وتُدار من مكتب وهمي!
حرية الصحافة أم اختيار الأصوات
تقول إنترنيوز إنها تدعم “حرية الصحافة”، لكن أحد المحللين الإعلاميين وصف الأمر بقوله: “الأمر لا يتعلق بإعطاء الصحفيين صوتًا، بل باختيار الأصوات التي تُسمع”.
في المرة القادمة التي تقرأ فيها “تدقيقًا للحقائق” أو ترى خبرًا يصف شيئًا بـ”المعلومات المغلوطة”، تذكر: قد يكون ذلك مدعومًا من نفس الأشخاص الذين دفعوا 473 مليون دولار ليقرروا ما يعتبره العالم “حقيقة”.