عزالدين الهواري
يشكل مغاربة العالم ثروة بشرية هائلة للوطن، وهم يطمحون دوماً إلى المساهمة في بناء مستقبل زاهر للمغرب. إلا أن هذا الطموح يواجه العديد من التحديات، أبرزها ضعف تمثيلهم داخل المؤسسات الوطنية، وتشتت الجهود بين الجمعيات والمنظمات، وتأخر إطلاق طاقات الكفاءات الشابة.
لقد أطلق جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، مبادرة طموحة لإصلاح منظومة تمثيل مغاربة العالم عبر إنشاء المؤسسة المحمدية. هذه المبادرة تهدف إلى تجميع الجهود وتوحيد الرؤى، وتوفير الإطار المؤسسي اللازم لتمكين الجالية من المشاركة الفاعلة في مسيرة البناء والتحديث.
على مغاربة العالم، اليوم، أن يعيدوا النظر في علاقتهم بالعمل الجمعوي والمدني والسياسي، وأن يتخلوا عن حالة العزوف عن المشاركة ويضعوا حدًا للصراعات، سواء كانت خفية أو علنية. إذا كانوا يطمحون فعلاً إلى تكوين قوة تمثيلية حقيقية داخل المؤسسات الحكومية والدستورية، فمن الضروري أن يسعوا لتحقيق تطلعاتهم وأحلامهم وحقوقهم المشروعة في وطنهم.
هذا المسار يعكس جوهر ما يركز عليه صاحب الجلالة في جميع خطاباته، وخاصة في خطابه الملكي الأخير. لكن واقع الحال يشير إلى أن المشكلة الكبرى تكمن في نخبة مغاربة العالم وأطرهم وكفاءاتهم، التي تبدو وكأنها تفتقد رؤية واضحة. فبدلاً من الانفتاح على الأجيال الصاعدة من مغاربة الجيل الثالث والرابع وتسليمهم مشعل المستقبل، نجد هذه النخب متشبثة بزعامات أبدية وهياكل أغلبها أشبه بالكيانات الوهمية.
هذه الجمعيات والمؤسسات لا تنشط إلا في مناسبات محدودة، وكأنها مجرد محطات موسمية تُغلق أبوابها بمجرد انتهاء غرضها. من المؤسف أن نرى هذا العجز المستمر من طرف تلك النخب “المفترضة” في تقديم أنشطة جادة ذات أثر ملموس على أرض الواقع، أو استقطاب وتشجيع الكفاءات الفاعلة في مجالات مختلفة كالثقافة والرياضة والفنون. وحتى على المستوى الفكري والمعرفي، قلما تكون لهم مساهمات تستحق الذكر. كما أن غيابهم التام عن تقديم مشاريع ذات طابع استشرافي ومستقبلي يصب في تعزيز علاقة مغاربة العالم بوطنهم الأم يبرز بجلاء مدى افتقارهم للرؤية. ولم يقدموا مقترحات قوانين إصلاحية تتناول القضايا الإدارية والاجتماعية والدينية والسياسية التي تهم المملكة .
ما كان منتظرًا من المجلس الاستشاري لمغاربة العالم، الذي تأسس سنة 2007، لم يتحقق للأسف، إذ بقيت إنجازاته ضئيلة جدًا بسبب تغليب المصالح الشخصية والانتهازية وتقديس الأشخاص، بالإضافة إلى التمويلات غير الواضحة والأفق الضيقة لبعض أعضائه. كل ذلك جعل المهاجر المغربي يدفع الثمن عبر تجاهل احتياجاته الحقيقية. وهذا ما دفع صاحب الجلالة مؤخراً إلى طرح إعادة هيكلة المجلس والاستعاضة عنه بمؤسسة جديدة أشد صرامة وقوة اقتراحية وتنفيذية تحت اسم “المؤسسة المحمدية”، والتي من المفترض أن تكون مختلفة جوهريًا عن سابقتها.
أعتقد أن بداية الإصلاح الحقيقي تنطلق من تمتيع مغاربة العالم بحقوق المواطنة الكاملة وتفعيل مقتضيات دستور 2011 بما ينص عليه في مواده الخمس. كما ينبغي القطع مع مظاهر الزبونية والمحسوبية التي تنخر عملية إسناد المناصب إذا كنا جادين في بناء علاقة أكثر تلاحمًا بين المهاجر ووطنه.
فلا أحد يمكن أن ينكر مدى ارتباط المهاجر المغربي بوطنه، وهو ما يظهر في زياراته المنتظمة وتحويلاته المالية الضخمة التي تعزز ميزانية الدولة بعملات صعبة وأساسية. وعلى الدولة بمختلف مؤسساتها، وبالأخص وزارة الخارجية، أن تحرص على خدمة المهاجر والدفاع عن حقوقه من خلال إرسال دبلوماسيين وأطر إدارية يتمتعون بحس وطني حقيقي ووعي بخدمة المصلحة العامة بعيدًا عن المصالح الشخصية. كما يجب تعزيز علاقة الانتماء بين المهاجر ووطنه عبر التأطير وخلق قنوات تواصل ثقافي وديني دائم مع الوطن.
هذا كله يتطلب، أولاً، ضمان المواطنة الكاملة للمغاربة المقيمين بالخارج، وثانيًا، تحمل جميع الأطراف لمسؤولياتها: الدولة، الأحزاب السياسية، النخب المثقفة، والمجتمع المدني. فالحوار المتبادل مع مغاربة العالم دون أي إقصاء هو السبيل لترسيخ أسس هذه العلاقة وتقويتها، تطبيقًا لما يؤكد عليه صاحب الجلالة في خطبه المتكررة والتي غالبًا ما تصطدم بعدم التفاعل اللازم من قبل الحكومة والمؤسسات المعنية.
ويبقى الأمل معقودًا على أن يكون الخطاب الملكي الأخير وتكريم المؤسسة الجديدة باسمه الشخصي إشارة قوية لتقدير جلالته لمغاربة العالم ودعوة صريحة للمسؤولين للعمل بجدية لتحقيق تطلعات هذه الشريحة المهمة من الشعب المغربي.