كوثر منار
لعل الصورة النمطية التي ساهمت في ترسيخها العديد من الأسباب، حول المرأة المغربية المغتربة التي اختارت بلد المهجر مستقرا معيشيا، صورة تطبعها السلبية، وتقديم المرأة المغربية في اتجاه يرسم الدونية والتقليل منها، وهذا ما يخالف الواقع، ويخالف ما وصلت إليه المغربية وما حققته، في شتى المجالات في مختلف بقاع العالم.
في هذه السلسلة التي اخترنا لها عنوانا بارزا “الهجرة..إسم مؤنث”، سنحاول سرد حكايات نساء مغربيات، تألقن وحققن إنجازات جديرة بالتنويه، وطبعن على مسارات مهنية متفردة، من خلال محاورة ضيفات مغربيات من أرض المهجر.
في هذه الحلقة، تستضيف الاستاذة نورة امزيل إيطالية الموطن عالمية النشأة مغربية الجذور، متخصصة في الوساطة الثقافية، أستاذة جامعية للغة العربية، لديها مسار علمي وعملي حافل نترككم معها في هذا الحوار الشيق لاكتشافها بشكل معمق:
كيف كان مساركم الدراسي ؟
12 يناير 1998هو تاريخ وصولي لإيطاليا وكانت آنذاك حاملا بابنتي، وانطلق مشواري الدراسي بإيطاليا بشكل فعلي سنة 2000 بحيث تخصصت في الوساطة الثقافية، وذلك بعدما قررت متابعة الدراسة، وتوجهت إلى جامعة “سيينا” للتخصص في اللغة الإيطالية، لتعليمها للأجانب وحصلت على أعلى مستوى وبهذا الديبلوم شققت طريقي في مجال الوساطة الثقافية واشتغلت على إثر ذلك بعدة مدارس مع ابناء الأجانب بالديار الإيطالية، لمساعدتهم على الإندماج بالإضافة إلى المستشفيات وشؤون القاصرين، ومع البلديات، من بعدها في سنة 2008 ، انخرطت في الجامعة وأصبحت أستاذة جامعية أدرس اللغة العربية.
ماهي أبرز المحطات التي طبعت مساركم المهني ؟ وماهي المناصب التي شغلتموها؟
سنة 2008 هي نقطة بداية مساري مع الجامعات بدءا من اشتغالي بمنصب أستاذة باللغة العربية بالإضافة إلى ورشات في اللهجة المغربية، وهي أمر جديد ومسألة نادرا ما تقوم بها الجامعات هنا في إيطاليا، وهي لازالت مستمرة منذ 2012 إلى حدود اليوم، أعمل عبرها على التعريف بالثقافة والهوية المغربية، عن طريق مجموعة من الأنشطة ضمن هذه الورشان والتي تتوخى تغيير النظرة السلبية لمصطلح “المغربي” وتغيير النظرة السلبية المرتبطة به في الثقافة الإيطالية كما يتعلم الناس من خلالها عدم التعميم وتجنب التمييز.
وفي 2012 تم انتخابي كأول امرأة محجبة ناطقة باسم جميع المنظمات والجمعيات الأجانب في بلدية “كومو” لمدة 5 سنوات، وفي نفس السنة أسست جمعية “جسور” التي تقوم على العمل على قضايا المرأة والجيل الناشئ وتشجيع الاندماج والتبادل الثقافي بين المجتمعين المغربي والإيطالي
مباشرة بعدها شغلت منصب عضو في الفدرالية الإسلامية لجهة “لومباردية”، وقمت بالعديد من الأنشطة لحدود اليوم، ولكن نشاطي حاليا محدود في تنسيقية النساء، موازاة مع ذلك فأنا مترجمة محلفة واشتغل مع النيابات العامة والمحاكم.
فيما يتعلق أيضا بالمهام الأخرى التي شغلتها فقد شاركت في العديد من اللقاءات التي تهتم بالشأن الديني والعلاقة مع المجتمع المدني كما سجلت في 2017 حضوري كضيفة في احتفالات عيد العرش كما شاركت في المنتدى التشاوري الثاني للجمعيات المغربية الموجودة في الخارج.
هل كانت الهجرة اختيار أم محض الصدفة؟
بالنسبة لهجرتي لم تكن صدفة ولكن كانت اختيار بحكم استقرار زوجي لسنين في هذا البلد ومنذ زواجنا كنت على دراية بذهابي لإيطاليا، لذلك كانت أول خطوة لي مساري الجامعي بأوروبا هو تخصصي في اللغة الإيطالية بالجامعة الأمر الذي سهل علي عملية الهجرة، ولم أحس بتلك العزلة، فتمكني من اللغة منحني ميزة الانخراط السريع والسلس في الجامعة وبالتالي العزم على البدء من الصفر في الجامعة واتمام المسار بتفوق، وكما أن هذا التفوق استمد عزيمته من طموحي للذهاب لأوروبا والتعرف على ذلك العالم واتمام الدراسة بعد الباكالوريا وهذا ما تحقق فاستطعت بذلك اتمام دراستي وانا زوجة وأم.
من أين أتتكم فكرة خوض تجربة جامعية جديدة في بلاد المهجر؟
في المغرب كنت حاصلة على إجازة في اللغة الألمانية وآدابها، بعد وصولي إلى إيطاليا لوقت معين أعطيت الأولوية لأسرتي وابنتي بعد ذلك بسنة قمت مباشرة بدبلوم الوساطة الثقافية الذي كان تخصصا حديث الظهور أنداك بعدها في سنة 2000 بدأت الاشتغال كأول وسيطة ثقافية في جهة الشمال في لومبارديا
من جهة أخرى فاشتغالي في المستشفى وتعاملي مع الأجانب ساهم في اتساع نشاطي، بعدها لاحظت ان الاشتغال على الوساطة الثقافية بلغة مختلفة عني لابد لها من الاقتران بتكوين آخر يشمل جميع المجالات منها المجال القانوني والطبي لأن مهمة الوسيط الثقافي تعبر عن الجمع بين ثقافتين في جميع الجوانب وبحكم نفس السبب وجدت نفسي أمام ملفات أخرى اجتماعية ونفسية وقانونية الى جانب الملف الطبي تخلق سوء تفاهم بين الجالية والإيطاليين لعدم وجود تفسيرات او ترجمات صحيحة وجدت نفسي أمام تحدي ثاني نتاجه البدء بالدراسة من جديد وهذه المرة التخصص في الوساطة الثقافية في الجامعة وبعدها الماجيستير في التعاون الدولي والمفاوضات بعدها ماستر في مستوى آخر يهم القانون الهجرة والحماية الدولية.
وقد تزامن اختياري الدراسي هذا، مع أحداث تونس الأمر الذي فتح لي باب آخر في العمل على إثره اشتغلت مع وزارة الهجرة السويسرية لمدة سنة وهي المدة التي شهدت فيها أوروبا نزوحا كبيرا لتونسيين على خلفية الضغط والأحداث التي عاشتها تونس خلال تلك الفترة، والآن أنا عضو في مركز الأبحاث الخاص بجامعة سوبريا بمختبر الدين والاقتصاد والقانون في المجال المتوسطي وانا الان في طور البحث في مسألة “الجنذر” خصوصا في الجانب الديني بحكم أنني أتبنى فكرة ” انني مسلمة نسوية” أدافع عن حقوق النساء ليس لجعلها فوق الدين، لأن ديننا ورسالته صالحة لكل مكان وزمان ومحاولة قراءته وفهمه من ناحية كونه رسالة رحمة للعالم والقيم الإسلامية التي توحد كل الأجناس والابتعاد عن القراءة الرجولية والارتقاء به
فالخطاب الديني والقرآن لا ينطوي على تحفيز على التمييز، بل العكس التفسيرات التي تعطيه هذا الطابع هي معضلتنا المتمثلة في ” الفقه الموروث” والذي يلزمنا تحديثه وتجديده ونحن في إطار البحث والعمل مع نساء نخول لهم الوسائل والأدوات للإحساس بقيمتهم ومحاولة تطوير نفسهم وفهم دينيهم للقطع مع التبعية والتفسير وتجاوز الفقه الحاضر وذلك عبر الوعي ومحاولة الفهم والاجتهاد والاستعانة بأهل الاختصاص.
ماهي روابطكم مع البلد الأم المغرب ؟
روابطي بالمغرب قوية جدا لأنه الأصل فالمغرب يمثل هويتي وكياني وخول لي الدراسة ومجموعة من المزايا الأخرى لكن مع المدة الطويلة التي قضيت في إيطاليا بدورها ورث لدي مكانة خاصة فهي التي أهلتني وبدأت فيها مسار جديد، وأنا لازلت بصدد التكوين الدائم وفتح أبواب لقطاعات أخرى عبر البحث المتجدد.
لا يمكن وصف ارتباطي بالمغرب وهو الأمر الذي زرعته أيضا في أبنائي بالرغم من ولادتهم وترعرعهم في إيطاليا ، أحثهم دائما على الانخراط في أنشطة متعلقة بالجالية والتي أكون أول المشاركين فيها عبر أساليب تعرف بالثقافة المغربية وتحارب العنصرية والتنمر، نفس الأمر بالنسبة للورشات التي أعمل عليها تعرف اقبالا كبيرا من طرف الطلبة الإيطاليين بحماس كبير يدفعهم للاتجاه للمدارس الصيفية بالمغرب لتعلم اللهجة المغربي والتعرف على ثقافتنا.
وأعتبرها في هذا الإطار خطوة مهمة، أفتخر بها كطريقة خاصة بي لخدمة المغرب عبر التعريف به وتحسين صورته النمطية لدى المخيلة الجماعة الإيطالية والدفع بهم لمحاولة التقرب للجالية ومحاولة فهمهم
كما أنني أقدم الاستشارة لمجموعة من الادارات وأقوم بمجموعة من التكوينات لعدد من أطر القطاعات المختلفة عن كيفية التعامل مع الأجانب بصفة عامة والعرب على الخصوص لتسهيل حياة أبناء البلد في المهجر.
ماهي الصعوبات أو التحديات التي وجهتموها في بلاد المهجر؟
بالإضافة إلى عملي كمستشارة مع شؤون القاصرين وخصوصية هذه المهمة، فإن الصعوبات التي واجهتها همت بالخصوص فئات معينة من الجالية العربية التي تجد صعوبة في فهم عمل المرأة واستقلاليتها واستيعاب تعاملاتها مع المجتمع الإيطالي خصوصا إذا كانت ناجحة ومطلوبة في مجال تخصصها.
في سنة 2010 كنت أول امرأة أجنبية محجبة تشتغل داخل ولاية مدينة كومو لمدة سنة وستة أشهر وبالحديث عن هذا العمل خصوصا مكتب الهجرة كان صعبا ويتطلب الثقة نظرا لخصوصية المرحلة وهذه الصعوبة هي ما ترجمه عدم التحاق أي امرأة بنفس المواصفات لنفس المنصب بعد المدة التي شغلتها، وذلك لكون المناخ كان يراعي الكفاءة والثقة في النفس وقوة الشخصية واحترام الآخر بعيدا عن أي ارتباط بالمظهر أو الدين.
ماهي طموحاتكم في علاقة التعاون مع البلد الأصل المغرب؟
بالنسبة لنقطة التعامل مع بلدي لدي حلم كبير يتعلق الأمر بشراكة تجمع المغرب وإيطاليا خصوصا في الجانب القانوني، لأنه من بين المشاكل التي تؤرقني مشاكل الأسر والأزواج المغاربة المهاجرين لإيطاليا خصوصا تلك المتعلقة بمسطرة الطلاق وسيطرة الزوج على هذه العملية لذلك أتمنى عمل شراكة قانونية لمنع هذه الحالات، وتوفير الأليات المساعدة على تكوين الوعي وذلك عبر عمل حصص ودورات للأزواج المهاجرين إلى إيطاليا حول القانون الإيطالي ووضع مسطرة صارمة للطلاق موجهة للأسر المغربية المستقرة في إيطاليا لأنه مع وجود مساطر إلى أنها قاصرة أمام وجود تلاعبات تكون ضحيتها الأبناء.
هذا هو الهدف هو التنسيق والوصول إلى حلول قانونية تواجه العنف الأسري وتدخل الأسر الغير عادي ومحاربة الانغلاق والعزلة لفتح الباب أمام الإندماج.
من جهة أخرى أطمح لتوفير المغرب للجالية المغربية برامج وأخذها بعين الاعتبار ضمن السياسات المرسومة للمغاربة وتمكين أبنائنا من نظام تعليمي للغة العربية عبر خلق شراكات بين السفارات والقنصليات وبين الدولة الإيطالية لإدماج اللغة العربية في المدارس وذلك لتربيتهم على ثقافتهم وتجهيزهم لخدمة بلدهم في حالة اختيار الرجوع والاستقرار إلى المغرب وهي النقطة التي أشرت إليها في احتفالات عيد العرش أمام الوزير السابق للجالية.