الرباط-عماد المجدوبي
قام عبد اللطيف حموشي، المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، بزيارة عمل إلى العاصمة الروسية موسكو في الفترة ما بين 27 و29 ماي 2025، ممثلاً المملكة المغربية في الاجتماع الدولي الثالث عشر لكبار المسؤولين المكلفين بقضايا الأمن والاستخبارات.
ويُعد هذا الاجتماع منتدى استراتيجيا يجمع رؤساء ومسؤولي أجهزة الأمن والاستخبارات من أكثر من 100 دولة ومنظمات دولية وإقليمية لمناقشة التحديات الأمنية العالمية ووضع آليات جماعية لمواجهتها.
أهمية المنتدى ودوره الاستراتيجي
اكتسب الاجتماع أهمية قصوى نظرًا للحضور المكثف لرؤساء ومسؤولي أجهزة الأمن والاستخبارات من أكثر من 100 دولة من مناطق الجنوب والشرق ورابطة الدول المستقلة، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات دولية وإقليمية بارزة مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي ومنظمة شنغهاي للتعاون.
ويُبرزهذا التنوع في المشاركة الطبيعة الشاملة للمنتدى كمنصة حيوية لتبادل الخبرات وتنسيق الجهود في مواجهة المخاطر العالمية المتزايدة، من خلال وضع آليات جماعية لتعزيز الأمن والسلم الدوليين.
منتدى لمواجهة التحديات الأمنية المعاصرة
تم تنظيم هذا الاجتماع من قبل مجلس الأمن القومي الروسي، ويعقد بانتظام منذ سنة 2010، مما يجعله منتدى استراتيجيًا راسخًا للتنسيق وتبادل الرؤى بين الدول حول سبل تطوير آليات جماعية لمواجهة المخاطر العالمية المتزايدة.
ويهدف المنتدى إلى بحث السياسات الدولية لتحييد المخاطر المستجدة، بما يسهم في ترسيخ الأمن والسلم الدوليين.
تطرقت الجلسات العامة والندوات الموضوعاتية في المنتدى إلى مختلف قضايا الأمن العالمي، بما في ذلك تنامي التهديدات الإرهابية المتمثلة في بروز معاقل جهوية وبؤر جديدة للتنظيمات الإرهابية، وتزايد مخاطر الجرائم والاختراقات السيبرانية التي تستهدف المنشآت الحيوية والحساسة في الدول، فضلاً عن التقاطعات العضوية والامتدادات عبر الوطنية للجريمة المنظمة.
وتعكس هذه القضايا الشائكة تعقيد المشهد الأمني العالمي وتؤكد الحاجة الملحة لتضافر الجهود لمواجهة هذه التهديدات المتشابكة. كما يُعد المنتدى محطة هامة لمناقشة استراتيجيات مشتركة للتعامل مع التحديات الأمنية المعقدة والمتطورة.
رسائل هامة من القيادة الروسية
ترأس أعمال المنتدى أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، وشهد حضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وتقديم كلمة افتتاحية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر تقنية التناظر عن بعد.
شدد الرئيس بوتين في كلمته على ضرورة بناء هيكلة أمنية عالمية جديدة تتسم بالعدالة والتكافؤ، وتضمن لجميع الدول ضمانات قوية لأمنها الذاتي دون المساس بمصالح وأمن الدول الأخرى. كما أشاد بمشاركة أجهزة الأمن والاستخبارات في دول الشرق والجنوب الشامل، معتبرًا أنها تمثل الجزء الأكبر في الهيكلة الأمنية العالمية وتدعم مبدأ السيادة المتكافئة والعادلة.
مقاربة المغرب للتعاون الأمني: بنية مشتركة وغير قابلة للتجزئة
في سياق فعاليات المنتدى، أوضح المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، عبد اللطيف حموشي، أن “المدخل الأساسي لتحييد المخاطر والتهديدات الاستراتيجية المتنامية، ينطلق من ضرورة خلق بنية أمنية مشتركة وغير قابلة للتجزئة، تساهم فيها مصالح الأمن والاستخبارات الوطنية بتعاون وتنسيق وثيقين مع نظيراتها في مختلف دول العالم”.
وتُجسدهذه الرؤية التزام المغرب بمقاربة شاملة للتعاون الأمني، تؤمن بأن الأمن العالمي هو كل لا يتجزأ، وأن التصدي للتهديدات يتطلب عملًا جماعيًا منسقًا.
أكد حموشي على أن “التعاون العادل والمتكافئ بين الدول هو مناط نجاح أي بنية أمنية مشتركة تروم مواجهة التهديدات والتحديات الاستراتيجية في عالمنا المعاصر”. كما أضاف أن “واجب التحذير الذي يؤطر عملنا الاستباقي، ومسؤولياتنا المشتركة، يفرضان علينا تبادل المعلومات حول كل التهديدات الأمنية المرصودة أو المحتملة، وتقاسمها بشكل مؤمن وفوري، بما يحقق أمننا الجماعي على أساس مبدأ رابح-رابح”.
تُظهر هذه المبادئ التي طرحها حموشي الفلسفة المغربية في التعاون الأمني، التي تقوم على الثقة المتبادلة والشفافية وتحقيق المنفعة المشتركة.
المغرب: فاعل أساسي في الجهود المشتركة لصون الأمن الدولي
أجرى المدير العام للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني على هامش هذا المنتدى الدولي، لقاءات ومباحثات ثنائية مكثفة مع رؤساء وأعضاء العديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في الدول الشقيقة والصديقة، بما فيها جهاز الأمن الفدرالي الروسي (FSB).
تركزت هذه المباحثات على تدارس القضايا ذات الاهتمام المشترك وسبل تقوية التعاون الثنائي في مواجهة المخاطر والتهديدات الناشئة. وتؤكد اللقاءات حرص المغرب على تعزيز علاقاته الأمنية مع مختلف الدول وبناء شراكات استراتيجية لمواجهة التحديات الأمنية.
كما تعزز هذه الزيارة، المكانة المتميزة والدور الفعال الذي يضطلع به المغرب في مجال التعاون الأمني الدولي. كما تترجم المصداقية التي تحظى بها مصالح الأمن المغربية لدى شركائها الدوليين، كفاعل أساسي في الجهود المشتركة لصون الأمن والاستقرار الدوليين.
يعكس هذا الدور الريادي التزام المملكة بمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بمختلف أشكالها، وتقديم خبراتها المتراكمة في هذا المجال، مما يجعلها نموذجًا يحتذى به في بناء شراكات أمنية فعالة ومستدامة.
ومع تصاعد التحديات الأمنية العالمية، يظل دور المغرب محوريًا في تعزيز التعاون الأمني الدولي. من خلال مشاركته الفعالة في المنتديات الدولية وتبنيه لمقاربات شاملة تقوم على الشراكة وتبادل المعلومات، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كشريك لا غنى عنه في بناء بنية أمنية عالمية أكثر قوة ومرونة.