نور الدين الدغير
تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى ساحة مفتوحة على احتمالات ترتبط بمستقبلها سواء بالتوجه إلى حرب واسعة تلقي بتداعياتها على جميع دول المنطقة، أو الانخراط في عملية سلمية تعيد قليلا من الهدوء إليها، وفي كلا الاحتمالين تلعب حسابات الامن و السياسة دورا أساسيا ومهما، و لايمكن فصل اي احتمال عن دراسة المتغيرات التي تشهدها المنطقة في الوقت الحالي و التي لابد من الوقوف عليها و أخذها كمحددات يبنى عليها للوصول إلى رؤية بشأن المشهد المقبل للمنطقة.
ما يمكن ملاحظته بوضوح هو التغيرات الاستراتيجية التي حصلت بالمنطقة و يمكن القول أنها بدأت ترسم ملامح جديدة لها و تتمثل هذه التطورات بالتالي:
1-الإطاحة بنظام الأسد
2-ضرب إسرائيل للبنى الاستراتيجية لحزب الله في لبنان و قتل اهم قادته السياسيين و الميدانيين
3-التدمير الممنهج لحركة حماس في غزة وضرب البنى العسكرية للمقاومة الفلسطينية فيها
4-تحييد الفصائل العراقية المسلحة تحت طائلة التهديد الأمريكي و الإسرئيلي بضربها في العمق العراقي
5- الأكثر تأثرا في رسم ملامح الحرب و السلم في المنطقة هو وصول التوتر الإيراني الإسرائيلي إلى حافة الهاوية و احتمال نشوب حرب بين طهران و تل أبيب في أي لحظة.
المرحلة هذه أظهرت سطوع نجم قوى في المنطقة و بداية أفول اخرى أو على الأقل تراجعها
1-تحرك إسرائيلي واضح من خلال فتح جبهات مواجهة متعددة و كسر القاعدة القائلة بأن إسرائيل لا تقدر على فتح مواجهة طويلة الأمد
2-تصدر تركيا للمشهد في الأونة الأخيرة من خلال وصول حلفائها إلى السلطة في دمشق و أصبحت لاعبا محوريا في أي ترتيبات أمنية و سياسية في سوريا و في المنطقة
3-تحرك عربي مهم باتجاه سوريا سواء من خلال الزيارات لدمشق أو إلى عواصم عربية و اتصالات من دول عربية عدة مع حكام دمشق الجدد كل هذا يقرؤ على أنه محاولات جادة للمشاركة في رسم ملامح المرحلة المقبلة لسوريا
4-تسجيل تراجع لايران و ضرب ما يعرف بخط طهران بيروت خاصة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وهو ما سيؤثر سلبا على النفوذ الإيراني و امتداداته في المنطقة
في ظل هذه المتغيرات الجميع يترقب المكان الذي قد تنطلق منه شعلة الحرب في المنطقة، وتبقى إيران على واجهة المناطق التي يرون انها قد تكون منطلقا لحرب إقليمية و ذلك بسبب التوتر القائم بين طهران و تل أبيب، و ارتفاع حجم التكهنات بشان السياسة المقبلة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تجاه إيران
ما يمكن قوله أن إسرائيل لايمكنها ان تتحرك منفردة ضد إيران و خاصة إذا ماكانت الأهداف نووية و تحتاج في ذلك إلى تنسيق و ضوء اخضر من الولايات المتحدة الأمريكية و الظاهر أن شروط الهجوم الأمريكي على إيران لم تنضج لحد الساعة، فأمريكيا يبدو أن ملف إيران لن يكون أولوية على أجندة الرئيس دونالد ترامب، فله ملفات أكثرأهمية تنطلق من الداخل الأمريكي و التي شكلت نقطة ارتكاز في فوزه في الانتخابات على مرشحة الحزب الديمقراطي كاميلا هاريس، و في الملفات الخارجية سيكون اهتمامه بالصين و الحرب في أوكرانيا، و تنظيم العلاقة مع الناتو و العلاقة مع المنظمات الدولية، أما في منطقة الشرق الأوسط فالاهمية ستكون لتوسيع مظلة الدول المنخرطة في الاتفاق الإبراهيمي و التطبيع مع إسرئيل.
من المعطى الاخير فان تحقيق ذلك قد يتطلب ترتيب الأوراق بشكل هادئ في المنطقة دون الإنزياح الى مواجهة شاملة فيها، و في هذا السياق يطفو على السطح سيناريو المفاوضات الإيرانية الأمريكية و قد تكون هذه المفاوضات شاملة لاتقتصرعلى ملف واحد بل ربما قد تشمل ملفات متعددة لتهدئة الأجواء في المنطقة،قد تبني الولايات المتحدة الأمريكية على التطورات في المنطقة و تراجع النفوذ الإيراني لبناء استراتيجية جديدة في التفاوض للحصول على أكبر قدر مهم من التنازلات مقابل رفع العقوبات عن إيران، أما في طهران فهي تظهر سياسة جديدة في الانفتاح على المفاوضات مع واشنطن قد تصل إلى حد المفاوضات المباشرة التي كانت إلى وقت قريب من المحرمات في السياسة الإيرانية وقد ترى طهران نفسها مضطرة للدخول في أقرب وقت للمفاوضات قبل حلول شهر شتنبر المقبل و هو انتهاء العمل بالاتفاق النووي الموقع عام 2015 و احتمال لجوء الدول الغربية لتفيعل ما يعرف بآلية الزناد و هي إعادة فرض العقوبات الدولية التي تم رفعها بعد توقيع الاتفاق النووي،و سيكون خيار العقوبات هوالبديل الامريكي عن الحرب إذا مالم يتم التوصل إلى اتفاق قبل شهر شتنبر المقبل.و قد تكون الاستراتيجية الامركية للرئيس ترامب هي زيادة الضغط الإقتصادي على إيران بدل الحرب في أفق ان يحرك ذلك الوضع الداخلي لإيران
و السؤال الأهم هل سيناريو الحرب على خلفية البرنامج النووي الإيراني سينتفي كليا؟ الجواب وهو أن سيناريو الحرب سيكون ورادا ضد إيران بشكل كبير، في حال أقدمت طهران على تغيير عقيدتها النووية و التوجه نحو تسليح برنامجها النووي، فهذا الإجراء سيمنح واشنطن قدرة الحصول على الاجماع في المنطقة و على مستوى العالم للتحرك عسكريا ضد إيران و ضرب مراكزها النووية.و سعت إيران خلال فترات سابقة للتلويح بتغيرعقديتها النووية بهدف الضغط على الدول الاوربية حتى لاتتوجه لمجلس الامن و إعادة فرض العقوبات الدولية عليها، أما مؤخرا فأمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي أكبر أحمديان قال بأن بلاده لم تغير عقيدتها النووية خلال لقائه وزير الخارجية العماني الذي تاخذ دولته على عاتقها مسؤولية الوساطة بين طهران و واشنطن و قد تكون هذه الرسالة مقصودة حتى تصل إلى البيت الإبيض لفتح صفحة جديدة من المحادثات بعيدا عن أي توتر ينعكس سلبا على المنطقة
بالمنطقة قد لاتكون إيران هي المرشحة الوحيدة لتكون منطلقا لحرب وتوتر كبير في الشرق الأوسط، فسوريا بعد سقوط الأسد مؤهلة لذلك ضمن محددات ترتبط أساسا بعلاقة المحيط الإقيلمي و الدولي بالإدارة السورية الجديدة، و تليها بعد ذلك البانورما الطائفية التي تشكل سوريا و يمكن ان تتحول إلى توتر داخلي و يلقي بتداعياته على دول الجوار السوري.
فالسطة السورية الحالية القادمة من خلفية جهادية اظهرت نوعا من التغييرعلى مستوى السلوك السياسي و الأمني و تسعى للتطبيع مع الوسط الأقليمي و بناء علاقات متوازنة مع دول الجوار،و قد تكون طبيعة التوجه السياسي الحالي يشكل ازعاجا لأطراف في الإقليم و حتى على المستوي الدولي و لربما هناك من قد يفكر في الإطاحة بالنظام الحالي بأي شكل من الإشكال أو الضغط عليه، و الإقدام على هكذا خطوة سيحول سوريا إلى ساحة بارود يصعب السيطرة عليها، فالإدارة السورية الجديدة لم تأتي من خلفية مدنية او سياسية حتى يتم الإطاحة بها بسهولة كما اطيح بالأخوان المسلمين في مصر،و تجربة افغانستان بعد الإطاحة بطالبان عام 2001 قد تبقى حاضرة و تحكم أصحاب القرار في العواصم الغربية و الأقليمية ، فبعد سنوات من الحرب اضطرت واشنطن لمغادرة كابل و تسليمها مرة أخرى لطالبان، و عمليا الإدارة السورية الحالية هي مستعدة في أي لحظة للعودة إلى حمل السلاح الذي تتقنه اكثر من إتقانها للسياسة، وعند سقوط الادارة الحالية قد تغيب معها إدارة مركزية في دمشق قادرة على إدارة الأمور و يصبح الميدان ملكا للجماعات المسلحة و التي لن تظل عملياتها أسيرة الرقعة الجغرافيا لسوريا بل قد تطال كل دول الجوار السوري و على رأسهم إسرائيل،و تتحول الجماعات الجهادية إلى تهديد قد يتجاوز في خطورته ما احدثه تنظيم الدولة في العراق و الشام، و أعتقد أن المجموعة العربية و اللاعبين الدوليين من واشنطن إلى الاتحاد الأوربي و موسكو فهموا اللعبة جيدا، و كل التحركات الجارية باتجاه دمشق الآن تصب في سياق القبول بالوضع الجديد في سوريا و التعايش معه خاصة في ظل السلوك الجديد الذي ظهربه أحمد الشرع محمد الجولاني سابقا و رفاقه
قد تظل بعض المناطق في منطقة الشرق الأوسط محطات لتوتر لكنه يبقى محدودا بجغرافيا المكان، أو بحل لملفات سياسية مرتبطة كوقف إطلاق النار في غزة وهذا يصدق على اليمن أو العراق و الظاهر ان الطرف الأمريكي و الإسرئيلي قد يسعيان لتطويقها بعمليات عسكرية صادمة دون أن تتحول إلى حرب شاملة و لأكمال سيناريو سحب أوراق الإقليم من يد طهران