نور الدين الدغير
يقول الهدهد للنبي سليمان “وجئتك من سبأ بنبأ يقين”. قد يعكس هذا الكلام. في بعض تفاصيله نص الحوار الذي يمكن ان يكون بين صحفي و مديره المباشر. ما يشير اليه الهدهد هو إصراره على الدقة في نقل الخبر بكل تفاصيله، فهذه الدقة و المصداقية اصبحت اليوم مهددة في المجال الإعلامي، و قد نستلهم من “اعترافات اوغسطين” فكرته بان البشر لايبدؤون حياتهم ببراءة، و نسقطها على الواقع الصحفي بان نشر المعلومة لاينطلق من معطى البراءة، و السؤال يأتي في هذه الحالة ليطرح على الكم الكبير من الاخبار و التحليلات التي تم تداولها محليا بشأن المفاوضات الإيرانية-المغربية لإعاد العلاقات بينهما.
ما قد يغفله الاعلام و خاصة بعض المنصات الخبرية هو تجاهل او جهل بمبادىء السياسة الخارجية للدول، سواء على مستوى تحديد موقع الدول في علاقتها مع البعض، أو أسلوب التعامل الديبلوماسي، لترسم اغلب التحاليل صورة كاريكاتورية للعمل الديبلوماسي المغربي و حتى في بعض الاوقات، وإن كان بطريقة لاشعورية أو قد تكون متعمدة، وضع المغرب في خانة من يستجدي العلاقات مع الدول، وهو عكس ما ابانت عنه الديبلوماسية المغربية في إدارتها لأعقد ملف وطني وهو ملف الصحراء المغربية، و حتى للعمل الديبلوماسي الايراني الذي تعرف دبلوماسيته اصطلاحا ب”دبلوماسية حياكة السجاد” او على حد تعبير وزير خارجية قطر السابق، حمد بن جاسم أل ثاني، و الذي أطلق عليها “ديبلوماسية الفستق”.
بالعودة الى حديث إعادة العلاقات المغربية- الايرانية، فدبلوماسيا لايزال الملف مسكوتا عنه في مراكز صنع القرار في الرباط و طهران، و لم يتطور الامر الى حد الاعلان ولو عن جزء بسيط من تفاصيله، وهذا عرف في المجال الدبلوماسي حتى تكتمل صورة الحوار، و في ذات الوقت منع تسرب المعلومة حتى لاتؤثر بشكل سلبي على مسار المفاوضات، أو قد يؤدي الأمر الى تدخل اطراف قد تعمل على عرقلة أي تقارب حتى وإن كان من باب الضخ الإعلامي بالاستناد على مصادر مجهولة الهوية.
ما قد يلمسه المتابع في حراك هذا الملف هو ماتراه العين و يستقرؤه العقل، من تحرك دبلوماسي في أروقة المنظمات الدولية، أو سفر لجهات عرفت بدورها في الوساطة، أو تحرك لأطراف صديقة تسعى لتثبيت قوتها الدبلوماسية في حل الاشكالات بالمنطقة.
ومن باب فهم مسارات التفاوض، لابد من تحديد تموضع المغرب و إيران في علاقاتهما، قد يكون للبعد الجغرافي وعدم تشابك الجغرافية السياسية للبلدين دور أساسي في الحد من الحساسيات بينهما، و أكثر من ذلك قد لاتكون العلاقة أولوية قصوى لكلا البلدين، وقد يبقى الأهم في البحث عن التقارب هو الخروج من حالة شاذة لقطيعة بين بلدين يربطهما الدين و التاريخ الاسلامي المشترك وإن باعدت بينهما السياسة في وقت من الأوقات.
ومن باب الحوار الدبلوماسي، قد تكون هناك مبالغة إعلامية حينما يتم الحديث عن شروط للتفاوض، فالعرف الحاكم للعلاقة بين الدول لايستند إلى مفهوم الشروط إلا في مرحلة ما بعد الحروب، أما في الحالات العادية فالدول تتقارب عبر بناء تفاهمات و تحاول تفادي العقبات السابقة.
الوقوف عند الحوار المغربي-الإيراني و إن كان أصحاب القرار اتخذوا خيار الصمت في انتظار أن تنضج الفكرة، إلا ان الوقوف عند مجموعة من الملاحظات تبدو ضرورة إعلامية:
-أولا: أن المفاوضات هي طريق بمسارين، و في حالة المغرب و إيران قد يكون الحوار معقدا و قد يكون الطريق صعبا للوصول إلى تفاهمات قابلة للإستدامة،دون تكرار سيناريو المراحل السابقة.
-ثانيا: إطلاع كل طرف على وجهة نظر الطرف الأخر خاصة في الملفات الحساسة، و تحديد ماهية المصالح القومية لكل طرف.
-ثالثا: الابتعاد، على الأقل إعلاميا، من النظرة القائلة بان أحد الطرفين ينطلق من ضعف في فتح باب الحوار، و ليس من باب المنطق الديبلوماسي البرغماتي الذي يسعى للحد من دائرة الأعداء و توسيع دائرة الاصدقاء.
-رابعا: أن أي دولة حرة في بناء علاقتها الدبلوماسية و لا يمكن قراءة أي تقارب مغربي-إيراني مثلا أنه موجه ضد طرف ثالث.
-و النقطة الإهم على مستوى التحرك الدبلوماسي الرسمي ان يتم البحث عن مسارات أكثر فاعلية في الحوار، و نقله إلى مستويات عليا و أكثر تأثيرا تكون قادرة على ضمان استمرارية ما تم التوافق عليه.
** إعلامي مغربي