24ساعة-الرباط
مع تسارع الأحداث في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد، أمام الدبلوماسية المغربية لحظات حاسمة لاتخاذ قرار العودة إلى دمشق ، فملفات حاسمة على طاولة الدبلوماسية المغربية من الجهاديين المغاربة إلى ملف الوحدة الترابية فضلا عن خلق فضاء جديد في العلاقة مع دمشق التي لك تكن على مايرام منذ ثمانينيات القرن الماضي
هذا الوضع يحاول الصحافي المغربي والخبير في قضايا الشرق الأوسط نور الدين الدغير، مقاربته في علاقة بالمصالح العليا للمغرب.
فيما يلي نص المقال:
من مدينة حماه أطل مقاتل مغربي وهو يوجه التحية إلى أهله و أصدقائه في كريان سنترال بالدار البيضاء و لم يكن ذلك إلا توثيقا للحظات سقوط نظام بشار الأسد بعين مغربي ، و يطرح الكثير من التساؤلات حول وجودهو ربما آخرين في هذه اللحظة في سوريا.
يسجل للمغرب لدى السوريين أنه من بين الدول العربية القلائل التي لم تعد إلى دمشق رغم تطبيع الكثير منها علاقتها مع نظام بشار الأسد و لربما قد يحفظ السوريون للمغرب احتضانه للدورة الرابعة لمؤتمر أصدقاء سوريا في دجنبر 2012. و لن ينسى السوريون كذلك المستشفى العسكري الذي فتحه المغرب بمخيم الزعتري بالأردن لتقديم العلاج للاجئين السوريين و زيارة العاهل المغربي له، و ما بين هذه المعطيات فان سوريا ما بعد بشار الأسد لايمكن أن تُغَيب عن المشهد المغربي أو تبقى غائبة، و قد يكثر الحديث عن أهمية و ضرورة الحضور المغربي في سوريا ما بعد بشار الأسد
موضوعات متعددة قد تدغدغ اهتمام المغرب في هذه اللحظة السورية المهمة، موضوع المغاربة الجهاديين و السؤال عن مصيرهم ما بعد استقرار الاوضاع في سوريا، سوريا الجديدة وعلاقتها بالوحدة الترابية للمغرب ومصير نشاط جبهة البوليساريو في دمشق و انعكاس هذا المتغير المهم على تحركها في لبنان،و لربما اكثر من ذلك التموضع الجديد لدمشق في خيارها ما بين الرباط و الجزائر.
قد يكون الرصد الأمني عن بعد جزءً من سياسة تأطير هذه الملفات و كذلك عبر تبادل المعلومات مع الدول الصديقة الفاعلة على الأرض السورية، و السؤال الأهم هو عن متى عودة النشاط الديبلوماسي المغربي إلى طبيعته في سوريا و إحداث المغرب لاختراق كبير في السياسة الخارجية و الأمنية لنظام ما بعد الأسد، فاختيار اللحظة الحاسمة رغم التحديات الكبيرة قد يقلب المعادلات السياسية و الامنية لصالح المغرب،و يجب أن نستحضر أن نظام الأسد لم يسحب اعترافه الرسمي بالجمهورية الصحراوية المزعومة الذي أقدم عليه عام 1980 ، و لاتنسى الذاكرة الأمنية للمغرب تنظيم شام الإسلام الذي تأسس في الساحل السوري من قبل مغاربة عام 2014 و بينهم معتقلون سابقون في غوانتانامو كا بن شقرون مثلا، و رغم انه انتهى عمليا على الأرض عام 2016 لكن مفاعيل عناصره قد تبقى حاضرة مع انتهاء التطورات الحاصلة حاليا في سوريا
لهذا التأكيد على الوجود الديبلوماسي في عين المكان قد يسهل بشكل كبير التواصل مع الحكام الجدد لدمشق و بناء استراتيجية تشاركية على المستوى الأمني و السياسي يستيطع من خلاله المغرب التغلب على جميع العقبات التي تطال تتبع المخاطر التي قد تهدده لاحقا، و بكل تاكيد فإن الحكام الجديد لدمشق يحفظون للمغرب مواقفه تجاه الثورة السورية و قد يحفظون أي قرار في هذه اللحظة بعودة السلك الديبلوماسي المغربي إلى دمشق و الأمر قد لايبدو صعبا على المستوى التنفيذي كون مقر السفارة يعمل اداريا حتى اللحظة و ما ينقصه هو انتقال النشاط الديبلوماسي المرتبط بسوريا من بيروت إلى دمشق. و الحضور الميداني في دمشق يسهل عملية الرصد و المتابعة و حتى أنه يسهل عملية التأطير و الإدماج لتفادي أي تداعيات سلبية للعودة غير المنظمة لمن كانوا منخرطين ضمن الجماعات المسلحة السورية، و قد يكون دور السلطة الجديدة في سوريا مهما في هذا السياق إذا ما كان هناك تنسيق وتواصل مباشر بدل الاعتماد على الوسطاء.
موضوع مهم قد يكون صاحب الثقل الأكبر في أي تحرك ديبلوماسي مغربي حالي في سوريا، فقد تناقلت مواقع التواصل الإجتماعي أخباراترتبط بعناصر جبهة البوليساريو في سوريا، وإن كانت تلك الأخبار تفتقد إلى المصداقية، و الأدق القول تفتقد إلى مصادر حقيقية، إلا انها تكشف عن ملف كان يتحرك بهدوء تحت حماية نظام الأسد لضرب الوحدة المغربية و يمكن القول أن اغلب نشاط الجبهة السياسي و الثقافي في الشرق العربي كان مقره دمشق عبر ممثيلة الجبهة هناك، ومن هناك كذلك كانت تنشط رسميا اللجنة العربية للتضامن مع الشعب الصحراوي و التي تناوب على رئاستها سوريون من محمد مرعي إلى محمود الصالح،ومن دمشق كانت تصدر الأوامر لأنصارها في لبنان لتحريك النشاطات المعادية لملف الصحراء المغربية سواء عبر الحزب القومي السوري او حزب البعث في لبنان أو من خلال لجنة دعم نضال الشعب الصحرواي. إذا غياب نظام الأسد و إعادة ترتيب المغرب أوراقه مع الحكام الجديد لدمشق سيضيق الخناق على نشاط البوليساريو ليس في دمشق فقط بل في الشرق كله و بالتحديد في لبنان فالراعي الرسمي أسقط من قبل شعبه، و يبقى الدور على بناء علاقة ثقة مع الإدارة الجديدة في دمشق و التخلص من كل الإشكالات التي كانت تعكر صفو العلاقات بين دمشق و الرباط، و أي حركة مد في العلاقة بين البلدين سيصاحبه بكل تأكيد جزر في علاقة دمشق و الجزائر، فثوار سوريا لن تخرج من ذاكرتهم المواقف الجزائرية الداعمة لبشار خلال كل مراحل الثورة، و توسيع الهوة بين الجانبين يستلزم اغلاق المنافذ التي يمكن ان يمر منها ساسة المرادية إلى الشام و بالتحديد عبر أصدقاء لهم أصواتهم قريبة إلى مسامع الحكام الجدد في دمشق.
العودة المغربية إلى الشام في هذا التوقيت لن تكون إلا استرجاع لذاكرة و تاريخ طويل بين المغاربة و أهل الشام، منذ الدولة الأيوبية، و المملوكية، و إعادة تمثل حقيقية لحضور الشيخ الأكبر محي بن عربي العارف المغربي الكبير الذي انتهى به المقام في الصالحية بدمشق، واستحضار لذكرة حوالي 170 شهيدا من القوات المسلحة الملكية الذين لاتزال مقبرة الشهداء بالقنيطرة جنوب غربي سوريا تذكر ببطولاتهم في حرب أكتوبر لعام 1973 .و في حالة ضرورة العودة المغربية إلى سوريا الجديدة فإنه لامكان للمثل القائل ان تصل متأخر أفضل من ألا تصل و إنما القاعدة فيها هي يجب أن تصل باكرا باش ما يفوتكش التران.